عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التراث العربي المسيحي

اطلالة على التراث المسيحي

إطلالة على التراث العربي المسيحي

 

يوسف جريس شحادة-كفرياسيف

www.almohales.org

إن الهدف الأساسي من دراسة هذا الموضوع ,هدف عملي علمي إضافة إلى انه هدف ديني تاريخي.

"التراث"من "ورث وَرِثَهُ ماله ومجده وورَثِه عنه ورثا ورِثة ووراثة وإراثة وَرِثَ فلان أباه يرثه وراثة وميراثا ومَيْراثا ..ورثت أبي وورثت الشيء من أبي أرثه ورثا ووراثة وإرثا ..التراث:ما يخلفه الرجل لورثه.."{اللسان 201- 199 :2 }.

للأسف لم يصل إلينا من التراث العربي المسيحي من العصر الجاهلي إلا الفتات.وقد جمع قدس الأب لويس شيخو دواوين الشعراء في كتابه الضخم"شعراء النصرانية قبل الإسلام",كما انه جمع المعلومات عن المسيحيين العرب قبل الإسلام في كتاب آخر"النصرانية بين عرب الجاهلية",ومن الجدير والمجدي قراءة هذا الكتاب مقارنة مع كتابة قدس الأب كميل حشيمة في المشرق 64 ص 297 -322 {للمزيد في هذا المبحث ينظر :الأب حنا فيه مجلة اللاهوت للشرق الأدنى 22 لبنان 1979 ص 45 -49 وعبد المسيح المقدسي: نقل الكتب المقدسة إلى العربية قبل الإسلام-المشرق 31 –سنة 1933 ص 1 -12 ,الأب سمير اليسوعي:دراسات إسلامية مسيحية ,لبنان 1982 }.

إن التراث العربي المسيحي يرتقي إلى عصر الجاهلية مع بعض الشعراء أمثال عدي بن زيد المتوفى سنة 587 م والخطباء أمثال قس بن ساعدة الأيادي أشهر خطيب جاهلي وواعظ القوم في سوق عكاظ وتوفي في العام 600 م.

أن الفكر العربي المسيحي من اعرق وأقدم الأفكار اللاهوتية وهذا الفكر والتراث شاسع واسع يشمل جميع بلاد المشرق,العراق وسوريا وفلسطين ومصر والأندلس وأقدم مؤلف أندلسي مسيحي يدعى الحفص بن البرقوطي الذي نظم  المزامير شعرا نحو العام 960 م .

إن التراث العربي المسيحي يأتي بمنزلة رفيعة جدا من حيث السعة والضخامة بعد التراث اليوناني والتراث اللاتيني. لقد ورث التراث العربي ما سبقه من التراثات الشرقية ,فقد ترجم الروم أهم مؤلفات الآباء اليونانيين من أمثال يوحنا الذهبي الفم وغريغوريوس النوسي وغريغوريوس النيزنيزي وباسيليوس الكبير وكيرلس الأورشليمي ويوحنا الدمشقي.وقد ترجم السريان المشارقة-النساطرة والمغاربة –اليعاقبة,أهم مؤلفات الآباء السريان من أمثال مار افرام السرياني وتاودورس المصيصي المفسّر ويعقوب الرهاوي وابن العبري وابن الصليبي ويعقوب السروجي.

إن الفكر العربي المسيحي,هو الفكر المسيحي الوحيد في العصور الوسطى الذي اعتنى حين وُضِع,بغير المسيحيين من مسلمين ويهود.فالمسيحي العربي عندما يرسم إشارة الصليب مثال,يقول"باسم ألآب والابن والروح القدس الإله الواحد آمين" أما في بلدان الغرب لا يقولون "الإله الواحد"فلماذا نضيف نحن"الإله الواحد"؟هل نحن مطالبون بالشهادة بالتوحيد؟أم نؤكد ونتأكد أننا موحدون؟وان الثالوث لا يناقض التوحيد البتّة.وهكذا نجد دوما في التراث العربي المسيحي فكرا مسيحيا معبرا عنه بلغة وأسلوب مفهومة لدى اليهودي والمسلم.باستطاعتنا أن نميّز في مضمون التراث ثلاث فئات من المؤلفات:

1- التراث العلماني.

2-التراث الديني المترجم.

3- التراث الديني المؤلف بالعربية.

لقد ترجم التراث اليوناني العلمي والفلسفي على يد المسيحيين ولا سيما السريان المشارقة والمغاربة وتمّ ذلك إما مباشرة عن اليونانية أو عن اللغة السريانية,إذ أن مؤلفات جمّة كانت قد ترجمت إلى السريانية منذ القرن السادس الميلادي وعن العلوم,فقد ترجمت مؤلفات جالينوس وبقراط في الطب وديسقريطس في النبات وبطليموس في الفلك أما الفلسفة فقد ترجم منها اغلب مؤلفات أرسطو ومفسّريه أمثال نيقولاوس وتامسطيوس ويحيى النحوي الاسكندري وبروقلس ومؤلفات المدرسة الأفلاطونية وقد تمت هذه الترجمات كلها على يد مترجمين مسيحيين وبالتالي لهم الفضل في خلق المصطلحات العلمية والفلسفية العربية,وكان لهذه الترجمات دور أساسي في تطوير اللغة العربية فقد واجه المترجمون في العصر العباسي الأول المشكلة نفسها التي يواجهها اليوم المعرّبون ألا وهي مشكلة ترجمة الفكر العربي المعاصر والتعبير عنه بأساليب ومفاهيم عربية واضحة وبلغة صائبة ومختصرة دون الحاجة لأسلوب رغو وليّ اللغة والفكر وهذه المسؤولية الملقاة اليوم على عاتق مجامع اللغة العربية من القاهرية والبغدادية والدمشقية قد وقعت على كاهل  أشخاص معدودين أمثال حنين بن إسحاق وإسحاق بن حنين وقسطا بن لوقا وأبي بشير بن متى بن يونس وأبي زكريا يحيى بن عدي وغيرهم.

ويعدّ أبو زيد بن حنين بن إسحاق ألعبادي اكبر مترجم في عصر النهضة العباسية وكان مسؤولا عن "بيت الحكمة" ببغداد لترجمة التراث اليوناني والسرياني العلمي والفلسفي إلى العربية وقد اشتهر في ترجمة الرياضيات قسطا بن لوقا البعلبكي الأصل وق قس وعالم فلكي توفي نحو العام 912 م .

لقد اهتم المسيحيون العرب بتدوين التاريخ المدني والديني ونكتفي بذكر القليل من أشهر المؤرخين :

+قيس الماروني صاحب كتاب"تاريخ العالم"المتوفى سنة 904 م .

+سويروس بن بطريق مؤلف"نظم الجوهر"المتوفى عام 940 م .

+سويروس بن المقفع صاحب كتاب"السِّير"وهو تاريخ الكنيسة القبطية معتمدا على سير "الآباء البطاركة"  المتوفى سنة 1000 م.

+محبوب بن قسطنطين مطران منبج صاحب كتاب"العنوان".

+يحيى بن سعيد الأنطاكي وضع ذيلا لكتاب "نظم الجوهر" آنف الذكر.

+ المكين جرجس بن العميد الذي وضع تاريخا شاملا وافيا من تأسيس العالم إلى أيامه في نهاية القرن الثاني عشر,ويعدّ مرجعا أساسيا لدراسة أواخر عهد الفاطميين وبداية الأيوبيين,فكان أول كتاب تاريخي عربي يطبع سنة 1625 م.

+أبو الفرج غريغوريوس يوحنا بن العبري المتوفى عام 1286 وهو العالمة السرياني الشهير وصاحب "مختصر تاريخ الدول" ومؤلفات قيمة أخرى بالسريانية وترجمت الحصة الكبيرة منها للعربية.

أما في الشعر فقد اشتهر في الجاهلية عدي بن زيد {والكثير ,ينظر لويس شيخو شعراء النصرانية قبل الإسلام} وعندما انتشر السجع وأصبح من لوازم الأدب الفني العربي شرع الأدباء المسيحيون يؤلفون مواعظ دينية مسيحية مسموعة مسجّعة ومن مشاهير هذا النمط البطريرك المشرقي إيليا الثالث المعروف بابي حليم بن الحديثي في القرن الثاني عشر ومن الوعّاظ الأقباط صفي الدولة,أبا الفضائل بن العسّال المتوفى نحو العام 1250 م ,وأبا البركات بن كبر  المتوفى عام 1324 م وكذلك ألف الراهب القبطي سمعان بن كليل بن مقارة المعروف بسمعان الحبيس مقالات لاهوتية في غاية الأهمية.

وهناك الأناجيل المقدسة التي ترجمت مسجعة , وضعت في القرن العاشر الميلادي واحدة منها لابن داد يشوع منها اغفل مؤلفها ما زالت مخطوطة , ثم جاء عبد يشوع الصوباوي مطران نصيبين على السريان المشارقة فوضع ترجمته الشهيرة لأناجيل الآحاد والأعياد سنة 1299 م وكل إنجيل مكتوب بقافية واحدة .

أما مزامير داوود فقد قام بترجمتها شعراً الأسقف الأندلسي الحفص بن البرالقوطي في منتصف القرن العاشر الميلادي وهي درّة من درر الأدب المسيحي العربي .

نكتفي هنا بعرض سريع للغاية لأهم الترجمات الدينية .

ترجم الكتاب المقدس كله مرات عديدة للعربية من لغات مختلفة وتعد هذه الترجمات بالعشرات أحيانا أما الأناجيل فيبدو أن عدد الترجمات العربية يربو على المائة ولم تحصر حتى الآن وقد ظهر حديثاً للباحث المستشرق كنوتسون Bengt Knutsson  عن ترجمة سفر القضاة يبين فيه أن لدينا خمس ترجمات مختلفة , ثلاثاً منها عن السريانية واثنين عن اليونانية .

اهتمت الكنائس الشرقية دائماً بمؤلفات آباء الكنيسة القدماء , فترجموا عن اليونانية مؤلفات اكليمنضوس الرومالي واغناطيوس الأنطاكي النوراني , وبوليكربوس الأزميري وايرانوس اللجسدني واكليمنصوص الاسكندري وغريغوريوس ألعجائبي واثناسيوس الاسكندري ويوحنا ذهبي الفم وباسيليوس الكبير وغريغوريوس اللاهوتي وكيرلس الأورشليمي وغيرهم الكثير . أما الآباء السريان الذين ترجموا إلى العربية عن السريانية فاهمهم مار افرام السرياني ترجم نحو 400 ميمراً [ أي مقالة ] والشيخ الروحاني وهو يوحنا سابا ويعقوب السروجي واسحق النينوي ويوحنا الرهاوي وإبراهيم النفرتي وفيلوكسينوس المنبجي ويعقوب ألبرادعي ويعقوب الرهاوي وغريغوريوس ابن العبري كذلك ترجم المسيحيون العرب المجموعات القانونية الكنسية القديمة منها " قوانين الرسل وقوانين المجامع " و " قوانين السينودوسات وقوانين البطاركة " .

إن لهذه الترجمات الدينية أهمية كبرى في أيامنا هذه لدراسة اللاهوت في الاكليركيات والمعاهد اللاهوتية , لأننا دائماً بحاجة لمعرفة أبناء الكنيسة وخصوصاً بعد فترة من طمس لهذا التراث .

التراث الديني الذي كتب مباشرة باللغة العربية :

1- التفاسير الكتابية " فردوس النصرانية " لأبي الفرج عبدا لله بن الطيب الطبيب الكبير والفيلسوف. توفي عام 1043 ببغداد , اعتمد على التفاسير السريانية لا سيما على تفسير ايشوعداد المروزيّ وله أيضا تفسير كامل شامل لسفر المزامير , وتفسير كبير للأناجيل الأربعة .

2- تفسير التوراة : لأبي الفخر مرقص بن قنبر المعروف بمرقس الضرير , عاش في أواخر القرن الثاني عشر طبع منه تفسير سفر التكوين .

3- تفسير الرؤيا : لابن كاتب قيصر وهو عالم قبطي عاش في مستهل القرن الثالث عشر وفسّر أيضا رسالة بولس الرسول إلى أهل رومية والكتابان مطبوعان .

4- " تفسير رسائل بولس ورؤيا يوحنا الحبيب " لأبي الفرج الأسعد بن العسال في منتصف القرن الثالث عشر .

5- تفسير سفر المزامير : لديونيسيوس بن الصليبي في القرن الثالث عشر .

 

في الفقه الكنسي – الحق القانوني

1- فقه النصرانية : لأبي الفرج عبدا لله بن الطيب المشرقي النسطوري , مطبوع في مجلدين .

2-مؤلف للأنبا ميخائيل مطران دمياط ألّفه سنة 1188 م وهو ما زال مخطوطا .

3- المجموع ألصفوي ,لصفي الدولة أبي الفضائل ابن العسال المصري القبطي ألّفه في البداية في دمشق سنة 1236 م ومن ثم في القاهرة سنة 1238 م ولكن بصيغة مختصرة وهو يعتبر من أهم المراجع والمصادر القانونية المسيحية{القانون الكنسي الماروني والقبطي والحبشي } وقد ترجم إلى اللغة الجعزية {لغة أقباط الحبشة }.

4- الفرائض الكاملة,لفرج الله الاخميمي في القرن الرابع عشر.  

  في المؤلفات الطقسية

+"الدر الثمين "لساويرس بن المقفع المتوفى عام 1000 م وهو مطبوع .

+ترتيب الكهنوت:وهو وهو من القرن الثالث عشر وهو مطبوع وقد نسب خطأ إلى ساو يرس.

+الأعمال الرئيسية في الأعمال الكنسية:لمؤتمن الدولة اسحق إبراهيم ابن العسال في منتصف القرن الثالث ,وهو مطبوع.

+الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة ,لأبي زكريا يوحنا بن سباع-نهاية القرن الثالث عشر,وهو مطبوع .

+مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة:لشمس الرئاسة أبي البركات بن كبر المتوفى سنة 1324 م طبع نصفه.

في المؤلفات العقائدية:

من العسير إحصاء ما أُلّف في هذا المضمار,نذكر البعض منها: مؤلفات أبو رائطة التكريتي نحو 800 م وثاودوروس أبي قرة المتوفى نحو 830 م وطيموثاوس الجاثليق المتوفى 243 م وعمار البصري – القرن التاسع وعبد المسيح الكندي نحو 830 م وعمار البصيري-القرن التاسع ويحيى بن عدي المتوفى نحو 973 م وساو يرس بن المقفع المتوفى في نحو 1000 م وعيسى بن زرع المتوفى1008 م وأبي الفرج بن عبد الله بن الطيب بن الفضل الأنطاكي المتوفى 1051 م.

إن أكثر هذه المؤلفات دفاعية,يرد فيها المسيحي على اتهامات المسلمين ويشرح لهم معنى العقيدة المسيحية دون مجادلتهم أو مهاجمتهم,ونجد نموذجا بسيطا من هذا النوع من التأليف في نص صفي الدولة أبي الفضائل بن العسال.

الموسوعات المسيحية:

من أهم الموسوعات العربية التي وضعت في القرنين الثالث عشر والرابع عشر الميلاديين:

+ المجدل:لعمرو بن متى المشرقي النسطوري في نهاية القرن الثاني عشر الميلادي.

+مجموع أصول الدين, ومسموع محصول اليقين ,لمؤتمن الدولة أبي إسحاق ابن العسال سنة 1260 م .

+الجوهرة النفيسة في علوم الكنيسة,لأبي زكريا يوحنا بن سباع القبطي في نهاية القرن الثالث عشر الميلادي.

+مصباح الظلمة في إيضاح الخدمة,لشمس الرئاسة أبي البركات بن كبر أُلِّف في السنوات 1300-1310 م .

+كتابا البرهان والشفاء,لأبي شاكر بن الراهب نحو سنة 1270 م .

+المجدل لماري بن سليمان وصليبا موصلا يا المشرقيين النسطوريين سنة 1328 م .

مراكز التراث المسيحي:

الإسكندرية:

إن مدينة الإسكندرية كانت من أهم البلاد اليونانية ثقافة وإشعاعا للتراث القديم ولها تاريخ حافل منذ أن أسسها الاسكندر الكبير عام 331 ق.م . أوّل مَن جعل مِن الإسكندرية عاصمة للحضارة الهلّينيّة هو بطليموس سوتر الذي أصبح ملكا عليها سنة 305 ق.م وقد اشتهرت الإسكندرية بمؤسستين عديمتي النظير كالمتحف والمكتبة.وكانت الإسكندرية في أوج ذروتها عندما غزاها الرومان سنة 48 ق.م عندما نشب الخلاف بين كليوباترا وزوجها انطونيوس وحرقت مكتب المتحف الشهيرة أثناء هذه الغزوة.

إن الكنيسة المصرية ترى أن القديس مرقس-وهو احد الرسل كاتب الإنجيل المعروف باسمه وهو مؤسس كنيسة الإسكندرية,وتحرص أن يلقب خلفاؤه من بعده حتى اليوم "بابا الإسكندرية وسائر الكرازة المرقسية".

مدرسة الإسكندرية 180- 400 م

لا نعلم من هو مؤسس هذه المدرسة وإنما يذكر التاريخ رجلا صقليا اسمه القس نتينوس بشّر بالإيمان في بعض بلاد الهند ووصل الإسكندرية فأصبح أستاذا ومديرا للمدرسة التي أنجبت القس اقليميس –اكليمنضوس وكان هذا وثنيا فاعتنق المسيحية. وخلفه في كرسي التعليم وكان وتعمقا مبحرا في خبايا الكتاب المقدس وتعاليمه والأسفار المنحولة الهرطوقية,وعندما حل الاضطهاد بمصر سنة 202 م خرج إلى كباروكيا يثبّت المؤمنين وينظر في أمورهم وشؤونهم بعد حبس أسقف المدينة الكسندروس,وتوفي بين 212 -215 م وخلفه تلميذه اوريجانوس الاسكندري وكلاهما صارا أسقفين للكرسي الاسكندري وخلف ديونيسيوس ثاوكنوستوس ثم بيبريوس الفاضل وكان ناسكا شهيرا.

من تلامذة المدرسة وعلمائها المشاهير القديس بمفيليوس الشهيد البيروتي أستاذ اوسابيوس القيصري أبي التاريخ الكنسي الشهير الذي تُرجم كتابه للعربية.

في النصف الثاني من القرن الرابع قلّد القديس اثناسيوس إدارة المدرسة وتعليمها إلى ديديمس الضرير الرجل الفاضل الذي طمع بين علوم اللاهوت والفلسفة حتى الهندسة والرياضيات وعاش خمسة وثمانين عاما وخلفه رودون الذي نقل المدرسة إلى بمفيليا,حيث أغلقت بعد أن عاشت ما يقارب مائتين وعشرين سنة .من مشاهير مدرسة الإسكندرية,يحيى النحوي أو يحيى فيلوبونس وفي أوائل القرن السابع الميلادي كان اسطيفان الاسكندراني فيلسوف بلاط الإمبراطور هرقل وتخرّج من المدرسة الفيلسوف المسيحي يوحنا الابامي والطبيب الفيلسوف سرجيوس الراسعيني والطبيب ايتيوس الآمدي وبولس الاجانيطي.

مدرسة أنطاكيا:

مدينة في شمالي سوريا وسط سهل خصب في الحوض الأدنى لنهر العاصي على بعد قليل من مصبه , وقد بناها سلوقس نيكانور سنة 300 ق.م . وفي سنة 499 م انفصلت الكنيسة النسطورية عن الكنيسة الأم ففقدت أنطاكية سيادتها على المسيحيين في بلاد بابل – العراق . كان سابور الأول قد حاصرها سنة 260 م واستولى عليها ونقل عدداً كبيراً من سكانها إلى جنديسابور في عربستان ,. وفي القرن السادس استولى عليها كسرى انوشروان سنة 538 م ودمّرها ونقل عدداً كبيراً من أهلها إلى مدينة المدائن البعيدة وسميت – رومية .

الزلازل العديدة التي أصابت أنطاكية ساهمت على اضمحلال المدينة إلا أن بهمّة الإمبراطور يوستنيانوس بنيت المدينة من جديد ولكن اصغر عما ذي قبل . احتلها العرب سنة 638 م وظلّت في قبضتهم حتى 966 م عندما انتزعها منهم نقفورس غوكاس وبقيت أنطاكية أكثر من قرن أقوى معقل للإمبراطورية البيزنطية أمام المسلمين ولكن منذ 1097 م ظهرت جيوش الصليبيين أمام أسوارها وفي 2 كانون الثاني 1098 م استولوا عليها بعد مذبحة رهيبة حامية الوطيس .

وحلّ في المدينة بعض الرخاء وانتعاش سكانها حتى عام 1268 م عندما أغار السلطان بيبرس واستولى عليها ويقال انه قتل في فتح المدينة سبعة عشر ألفا من المسيحيين ناهيك عن عشرات آلاف الأسرى وإحراق الأسرى وورد في سفر أعمال الرسل 11: 25-27 " ثم خرج برنابا إلى طرسوس في طلب شاؤول ولما وجده أتى به إلى أنطاكية وترددا معاً سنة كاملة في هذه الكنيسة وعلما جمعاً كثيراً حتى أن التلاميذ دعوا مسيحيين بأنطاكية أولا وفي تلك الأيام انحدر أنبياء من أورشليم إلى أنطاكية " . لهذا أصبحت أنطاكية المركز للتبشير عند الوثنيين , أع 11: 19-20 , وحسب الأخبار أن القديس بطرس يعتبر مؤسس كنيسة أنطاكية وأول أسقف لها , وقيل أن الإنجيلي لوقا كان منها وأول شخصية بارزة من أنطاكية هو اغناطيوس الذي مات شهيداً في رومة أيام تراجان 89-117 م .

وأيام اضطهاد الكنيسة الذي أعلنه الإمبراطور دقلديانوس ضد المسيحية عانت كنيسة أنطاكية من شدة هذا الاضطهاد وقتل الكثيرين من الشخصيات واتخذت في المدينة مجامع محلية سنة 325 م و 341م وقد اختار الإمبراطور يوليانوس المرتد 361-363 م أنطاكية لحملته ضد المسيحية التي هدفت إلى استئصال المسيحية وإعادة المجد للوثنية ولكن لم يفلح بمحاولته. وفي عام 379 م عقد مجمعاً احتفالاً بعودة الاورثوذكسية وشيدت كنيسة كبيرة بهذه المناسبة , وفي السنوات 374-375 م زار القديس برونيموس أنطاكية وبفضل مؤلفات يوحنا فم الذهب نعرف الكثير عن الحياة الاجتماعية والثقافية والدينية للنصف الثاني من القرن الرابع . منذ تكريس يوحنا الفم الذهب شماساً سنة 381 م وحتى رئيساً لأساقفة القسطنطينية كان يوحنا الشخصية الفذة البارزة الرائدة للجماعة المسيحية .

أهمية أنطاكية في تاريخ الشرق الأوسط الثقافي هي المكانة التي احتلتها بفضل مدرستها اللاهوتية التي جعلتها تضاهي وتنافس مدرسة الإسكندرية وهذا خلال القرن الرابع وبداية القرن الخامس .

ركز علماء أنطاكية دراستهم على التفسير الحرفي للكتاب المقدس ويظهرون اهتماما كبيرا لإنسانية المسيح الكاملة. ويعزى تأسيس المدرسة إلى كاهن اسمه "لوسيان",استشهد سنة 312 م وكان عالما مفسرا .

وصلت المدرسة إلى ذروة شهرتها في القرن الرابع ,فقد حاول ديودورس الطر سوسي 330-390 م أن يدافع بشجاعة عن الوهية المسيح منذ حملات الإمبراطور الروماني يوليانس الجاحد 361-363 م, وقد تفوّق عليه اثنان,يودورس المبسوسطي 350-428 م ويوحنا فم الذهب وكلاهما تتلمذا على يد الأديب ليبانيوس 314- 393 م فاستفادا من الأدب اليوناني القديم وكان ثيودورس مفسرا عميقا إن لم يكن اعلم مفسري المدرسة الأنطاكية,وبخلاف ثيودورس كان فم الذهب,واعظا قبل كل شيء وهو يعتبر من أعظم الوعّاظ المسيحيين.

الخلاف بين مدرسة الإسكندرية ومدرسة أنطاكية تبلور في مسالتين:تفسير الكتاب المقدس وطريقة تجسد الكلمة في المسيح والتعبير عنها,وبطريقة واضحة تصدى علماء انطاكية الى التاويل الرمزي للكتاب المقدس وتمسكوا في التفسير الحرفي لأنهم لا يرفضون المعاني الهادفة الروحية للكتاب المقدس ولكنهم لا يستسيغونه إلا إذا سمح النص بذلك لكنهم لا يقبلون بتاتا المعاني الرمزية التعسفية التي كانت مدرسة الإسكندرية تلجأ إليها.

الخلاف مع مدرسة الإسكندرية كان على أشدّه في المسائل الخاصة بالمسيح وسيطر على المناقشات الحادة التي نشبت في القرن الخامس وقد تصدّى ديودورس بقوة ضد ابولليناروس الممثل لمدرسة الإسكندرية قِدم اللوغوس وعدم تغيره ,وهذا حمله على التأكيد على ثنائية الطبيعة في المسيح,غير انه لم ينجح تماما بتفسير وحدة شخصية السيد المسيح.فقال انه في نفس الوقت ابن الله,وابن مريم العذراء,وهذا تعبيركان يميل البعض أن يعتبروه ناتجا عن المذهب النسطوري القائل بالشخصين.وكان ديودور الطر سوسي يفضل أن يقول بحلول الكلمة بالجسد على أن يقول إن الله تألم.إن كلمة الله وابن مريم كلاهما ابن الله. الأول بالطبيعة والثاني بالنعمة .هذه هي تعبيرات مميزة للمذهب الأنطاكي الخاص بالمسيح ويمكننا أن نجده عند ثيودورس الموبسوسطي وتيودور وعند لاهوتيين آخرين من بطريركية أنطاكية الذين نهضوا للدفاع عن نسطوريوس.

مدرسة نصيبين:                                 

تخلت فارس عن نصيبين روما في العام 298 م,وهي مدينة من مدن الحدود تشرف على الطريق الرئيسي بين شمال ما بين النهرين وبين دمشق,وفي سنة 300 م عدّت مقر أسقفي وكان أول أسقف عليها هو بابو وخلفه  الأسقف يعقوب.

وقد حضر الأسقف يعقوب مجمع نيقية المنعقد في العام 325 م وبعد ذلك بقليل انشأ يوسطانيوس أسقف أنطاكية مدرسة بها,على غرار مدرسة الإسكندرية فحذا حذوه الأسقف يعقوب وانشأ مدرسة نصيبين وكان هدفها الأول نشر اللاهوت اليوناني بين المسيحيين الذين يتكلمون السريانية.وأقيم على رأس هذه المدرسة شيخ علاّمة هو افرام ,امتاز بأعماله اللاهوتية والأدبية وصار الحجّة المعتمدة في السريانية الفصحى.

مدرسة الرها:

عندما وقعت نصيبين في أيدي الفرس بعد حملة جوليان ضد فارس سنة 363 م واضطر مار افرام أن يترك المدينة ولجأ إلى الرها,وأنشئت مدرسة في هذه المدينة,واستأنف مار افرام نشاطه فيها.وقد عاش مار افرام عشر سنين بعد سقوط نصيبين ومات في سنة 373 م ووفي العام 412 م نصب رابولا أسقفا على الرها,وكانت المدرسة تحت إشراف أستاذ يدعى" هيبا" وقد صار اسمه في اليونانية "إيباس",وكان قد حدث في كبدو كية حركة إحياء للعلوم  وانتقلت إلى الطائفة التي تتكلم السريانية خلال القرن الخامس.فأصبحت الرها مركزا لهذه الحركة بين الشعوب المتكلمة بالسريانية وتمثل الجانب السرياني من الحياة العقلية اليونانية في الشرق.من ابرز تلاميذ مار افرام زينوبيوس الجزري.هو الذي كتب ضد المرقيونيّين وكان معلما لإسحق الإنطاكي,وقد جرى في الرها في أواخر القرن الرابع العمل في الترجمة من اليونانية إلى السريانية.

كان لمدرسة الرها أركان وطيدة بين سكان ما بين النهرين وفارس ممّن يتكلمون السريانية,وكان أكثر أساقفة الفرس من خريجيها عندما نصب  رابولا أسقفًا على الرها سنة 411-412 م وعيّن بعدها بقليل إيباس هيبا رئيسا للمدرسة. وكانت عندئذ مؤلفات تيودور المصيصي وديوروس الطر سوسي العمدة المقررة في الكنيسة  السريانية ,فترجم هيبا أعمال الأول وتسهيلا لفهمها ,وضع ترجمة سريانية لايساغوجي فورفوريوس {أي المدخل} وترجمة كتاب"العبارة",لأرسطو والتحليلات الأولى مع شروح فروفوريوس عليها,والذي قام بوضعها بروبوس الذي كان قسّا وكبير أطباء أنطاكيا.

مركز جنديسابور:

في العام 489 م قرّر إمبراطور بيزنطية إغلاق مدرسة الرها,فلجأ علماؤها إلى فارس حيث وجدوا لدى الملك آنذاك أحسن لقاء,فخصّص لهم مدينة جنديسابور القائمة بين السوس واكتبان وهي مدينة قديمة يرجع تاريخ تأسيسها إلى القرن الثالث الميلادي.وقد تمتع سكانها بحريتهم الدينية وأبيح للمسيحيين منهم بناء الكنائس وصيانتها. وكان لهم في إحدى مدن العسكر التي خصصت للأسرى كنيستان  يقام القداس في إحداهما باللغة اليونانية وفي الأخرى باللغة السريانية.

لقد كان مار آبا أسقفا عندما كان كسرى الأول انوشروان 531 -578 م حاكما ,وكان انوشروان شديد الإعجاب بالثقافة اليونانية الرومانية,فرحّب الفلاسفة الذين تشتتوا عندما أغلق جوستنيان مدارس أثينا,فرحّب بهم وحرص على أن تقوم فارس بإقامة مدرسة عظيمة أسوة بمدرسة الإسكندرية.فانشأ مدرسة جنديسابور وكانت مشهورة جدا وخاصة في الطب الذي لم يكن يدرس نظريا فحسب بل عمليا,وفي جنديسابور اتصل أيضا  العلماء بعلماء الهند وجلبوا إلى البلاد أعشابا طبيّة.

في سنة 765 م استشار الخليفة المنصور العباسي,رئيس أطباء بيمارستان جنديسابور وهو جورجيوس بن بختيشوع حينما دعاه إلى بغداد, ومنذ ذلك الوقت بقيت أسرة بختيشوع طوال ثلاثة قرون ذات مكانة كبرى عند الخلفاء,فمنها كان أطباء الخلفاء ووزراؤهم ومن بين الأطباء الآخرين المشهورين يوحنا بن ماسويه الذي هاجر إلى بغداد في أول القرن التاسع وجعله الخليفة المأمون 830 م رئيسا لبيت الحكمة وتوفي في بغداد في العام 857 م.

مدرسة قطيسفون أو المدائن:

تعدّ هذه المدرسة في مقدمات المدارس السريانية الشهيرة في العراق.فيها نشأ ططيانس السرياني مؤلف كتاب "الدياطسرون" في القرن الثاني الميلادي.

مدرسة قنشرين:

قامت مدرسة قنشرين في القرن السادس بسعي مؤسسها يوحنا بر افتوينا سنة 538 م وتقع على الضفة اليسرى من الفرات,اشتهرت بمركزها الديني لليعقوبية ونبغ فيها علماء ومترجمون متفوقون أمثال الأسقف ساويرا وتلميذه اثناسيوس الأول البطريرك سنة 631 م ويعقوب الرهاوي الذي عدّ اكبر رجال الحركة اليونانية المسيحية في اللغة السريانية ووجيورجيوس أسقف حوران المعروف بأسقف العرب وتوما الحرقلي الذي نقل في العام 616 م العهد الجديد عن اليونانية إلى اللغة السريانية والفيلسوف الكبير ساويرا سابوخت في القرن السابع.وقد امتاز ساويرا هذا بعلومه ومصنفاته الفلسفية والفلكية وعلى يده وصلت الأرقام الهندية إلى العربية.

مدرسة رأس العين :

اشتهر أمْر هذه المدرسة في العصر الذهبي للسريان وكان مركزها على ضفة نهر الخابور بين رأس العين والحسكة بالقرب من قرية المجدل,وتفرّد رهبان ديرها المعروف بدير"قرقفة" بضبط حركات ألفاظ الكتاب المقدس وترنيم قراءته وعرف من رأس العين سرجيس الاسعيني سنة 536 م إمام عصره في الطب والمنطق والفلسفة وهو أول النقلة من اليونانية إلى اللغة السريانية ومن أخباره أيضا أن البطريرك افرام الأنطاكي 526-545 م وجّهه في مسائل خطيرة إلى رومة والى القسطنطينية فنجحت مساعيه.

مدرسة قرتمين:

تأسست هذه المدرسة في طور عابدين سنة 397 م واشتهر رهبانها خصوصا بصنع الرقيق وتهيئته لنسخ الكتب وتفننوا في تجويد الخطوط وتجديد الكتابة السطر نجيلية على يد رئيسهم المطران يوحنا في العام 988 م وروى قدس الأب اسحق أرملة في كتابه "رغبة الأحداث " 2 :157 أن عمانوئيل ابن أخي المطران يوحنا نسخ على رق الغزال سبعين مجلدا من الكتاب المقدس طبقا للترجمة البسيطة والسبعينية والحرقلية ووقفها على دير عابدين وظل هذا الدير زاهرا حتى القرن الثاني عشر.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com