عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

يسوع والانجيل_الاب د.بيتر مدروس

الأحد السّابع للسّنة أ (عام 2017 م)

يسوع والإنجيل: الحلّ المثاليّ والواقعيّ للصّراعات

(أحبار 19: 1- 18، 1 قور 3: 16 – 23، متّى 5: 38 – 48)

(بقلم الأب بيتر مدروس)

مقدّمة

على خطّ الهاتف قبل أيّام فاجأت الداعي إحدى الأعجميّات مخبرة أنها "تهتدي إلى اليهودية وتتقيد بالتوراة وتنبذ المسيح والإنجيل". وما أرادت استئنافًا ولا نقاشًا لضعف حجتها واندفاع عاطفتها الناقمة على الكنيسة المحشوة بالأحكام السلبية المسبقة وتأييدها الأعشى للكيان العبري "على أساس كلمة الله". واكتفى الداعي، بعد التسلح بصبر أيّوب، أن يلفت ما تبقى من انتباهها إلى أمور بدائية طفولية من الميثاق العتيق منها مسألة الرجم وقتل الذين يشتمون الوالدين،وحرمان الرجال الذين –عفوًا- يضاجعون نساءهم في وقت محدد (عن أحبا15: 19- 20، ثم 20: 18)، أو الذين لا يختنون أولادهم (قديمًا حتى الإناث). وما أجابت على أي سؤال خصوصًا المستفسر عن التلمود والمصائب التي فيه: أهو قسم من كلمة الله إذ يحسبه اليهود "التوراة الشفهيّة"؟ كل هذا يدل على ضعف التعليم المسيحي وأحيانًا الكرازة،وعلى ضرر المدارس الحكومية في الغرب (والشرق أيضًا) الرافضة للتربية المسيحية بذريعة "العلمانية". كل هذا يدلّ على البعد عن الكنيسة وأحيانًا التقصير أو قلة المتابعة الراعوية أو عدمها بحيث يكون نفر كثير من رعيتنا "كرمًا نامت نواطيره". أمّا العقل السليم فمع الاحترام لتلك السيدة "يفتح الله"! خصوصًا لفتاة أو امرأة هنالك امتهان في اليهوديّة للأنثى وتقليل من قدرها في تلك المرحلة الطفولية البدائية من الوحي، ولا يأتي النقص من الله- حاشى وكلاّ- بل من  عدم النضوج الروحاني والأخلاقي عند معشر العبرانيين، ونرى هذا النقص في أيامنا أيضًا على تفوقهم العسكري والسياسي والعلمي والأدبي والفنّي. وهنالك مسرحية عبرية حديثة تصوّر كليم الله موسى راجعًا وملتقيا بيهود اليوم. فيقوللهم: "لو نشتنيتمלא נשתניתם" أي "لم تتغيّروا" (منذ عهدي). وفعلاً، لم يتردد أحد رؤساء وزرائهم أن يعلن بصراحة: "أمّا نحن (أي اليهود)، فلا ندير الخدّ الآخر": أي "على العين بالعين والسنّ بالسنّ" منذ حمورابي (القرن الثامن عشر قبل الميلاد) وموسى (القرن الثالث عشر قبل الميلاد) باقون". وفي كل هذه المعطيات تفسير لإنجيل اليوم واقعيّ حياتيّ.

أمّا كرامة المرأة ومساواتها للرجُل الكاملة في الزواج المسيحي وعلى أساس المعمودية لا الختان، فكل هذا من فضل يسوع والإنجيل، ولكن هيهات أن تعترف بهذا المرأة المشار إليها وأمثالها وشبيهاتها.

 

" لا تبغض أخاك... وقريبك أحببه كنفسك!" (لاويين أو أحبار 19 : 1-18)

أين "أختنا" لتسمع  "وتقشع" (كما تقول اللهجة اللبنانية) الفرق الشاسع بين العهدين القديم والجديد في مفهوم "الأخ" و "القريب"؟ "أخوك" في الميثاق العتيق هو اليهودي الآخر، وكذلك "قريبك". وأساس فكرة "القريب" (وهي لفظة "قريب" في الآرامية أيضًا קריב) في العبرية مأخوذ من عالم الرعاة أي المرحلة الأولى والثانية من البداوة ثم الاستقرار. فالراعي هو "رُعيه" والقريب هو "رعيه" بتسكين الراء أي الراعي الزميل. وكلا اللفظتين يُكتب بنفس الأحرف ويختلف فيه "الشّكل" أي الحركات بين ضمّة في "رُعيه" إلى سكون רעה. أمّا عند يسوع، بتعاليمه وتضحيته، فكلّ الناس إخوة وأخوات، وكلهم قريب للآخر، بما فيهم السامريّ(البغيض مثل سكّان "سعير" والفلستيين، والمعروف بغباوته التي كانت مضرب الأمثال في بن سيراخ 50: 26). حسبنا مَثَل السامري الرحيم (لوقا 10 : 25 وتابع). وما اخترعت "الثورة الفرنسية" الشعار الثلاثي : "حرّية – مساواة- أخوّة" بل ورد في العهد الجديد وفقط في العهد الجديد!Liberté, égalité, fraternité

 

انفتاح قلب العبرانيين لل"جير" גיר("الجار" الوثني الساكن أرض اليهود)

لأسباب عمليّة منها "جارك القريب ولا أخوك البعيد" وللحاجة إلى الجار، على ما يبدو، "تكرّم اليهود (أو كما تقول العامّة "تنازلوا) أن يقبلوا ال"جير" اي الوثني المقيم في أرض اليهود "قريبًا". وكنا نتمنّى أن يحسبونا كذلك، إذا فرض المرء جدلاً أو تقبّل قهرًا أن تكون هذه الأرض المقدسة الفلسطينية لليهود. ولكن لسوء طالعنا، غيّر الحاخامات مفهوم "الجير"  إلى "غير اليهودي المهتدي إلى اليهودية" أو "الدخيل" Proselyte. فبقينا غير مرضيّ علينا، "لا مع سيدي بخير ولا مع ستّي بخير"!

"سمعتم أنّه قيل: "العين بالعين...أحبب قريبك وابغض عدوّك" (متّى 5: 38 – 48)

ستعود "أختنا" الأعجمية من "أحبوا أعداءكم" إلى "أحبب قريبك" التوراتية ولن تحب إلاّ اليهود. ستتقهقر من "أدر الخدّ الآخر" إلى "العين بالعين". ومن بعيد ستسمع كل صباح الرجال اليهود يشكرون الله على أنه "لم يخلقهم نساء!" وأن "صوتها عورة" وأنها "نجسة" في بعض الأيام والأحوال، لمدّة أسبوع، بحيث يتنجس الذي يجلس حيث جلست...

وإذا تذرّعت "المرتدّة (الأجنبية المشار إليها)، نحو اليهودية" – بمعنى الارتداد أي الرجوع إلى الوراء، إلى العهد القديم،  بأنّ يهود اليوم لا يرجمونولا يقبلون تعدد الزوجات ولا تطليقهنّ اعتباطًا ولا ختان الإناث ولا عقوبة الإعدام، فيجب الردّ أنّ كلّ هذه التغييرات الإيجابية أتت بفضل المسيحية الأوروبية التي أثّرت على الحاخام العبقري النزيه "جرشون" وسواخ من الحاخامت الأذكياء الشرفاء الذين، أسوة بال (النوتسريم) أي "النصارى"، بشكل غير معلن، أبطلوا كل تلك الأمور البدائية العبرية وسواها في مدينة "ماينتس" سنة ألف ميلادية، فكانت تلك السّنة يوبيلاً مؤثرا مأثورًا لميلاد الرب يسوع في الجسد ونهضة روحانية أخلاقية للشعب العبري.

 

انتصار وداعة المسيح واللاعنف الإنجيلي في الجكمة الربانية الرحمانية المكنونة في الوصيّة السّيديّة: "اِعرض الخدّ الآخر"

معنى العبارة "لا تردّ على العنف بالعنف ولا على الإساءة بالإساءة. أوقفعجلة العنف من أوّلها، لأنها إذا تدحرجت حصدت الأرواح والممتلكات بلا حساب ولا انضباط"!" وما تعني العبارة نذالة ولا جُبنًا ولا فقدانًا للكرامة بل تحدّيًا للشّرير وإحراجًا له وترفّعًا عن النزول إلى مستواه المتدنّي.

وإذا توهّم أحد أنّ تعليم يسوع مثالي بمعنى الخيالي غير الواقعيّ، فلينظرن بحيادية وموضوعية إلى تاريخ الأمم المسيحية. على علاتها البشرية، انتصرت بفضل "وداعة المسيح" (التي هي مدرسته، عن متى 11: 27 وتابع)- انتصرت على الحروب والأحقاد. وحسب المرء أن يفكر في الحروب الطويلة الطاحنة المريرة بين فرنسا وإنكلترا (حرب المئة سنة) وفرنسا وألمانيا... والحروب الداخلية في الولايات المتحدة. ووضعت الحروب أوزارها وصارت تلك الشعوب إخوة وأخوات يدخل أحدها بلد الآخر من غيرتأشيرة ولا جواز سفر... أمّا ماضي تلك الشعوب قبل اهتدائها إلى نور الإنجيل الطاهر وهداه، فحدث ولا حرج من وحشية وهمجية وقساوة، يورد المرء منها ال"فيزيجوت" وال"أوستروجوت" و "الهانيين": وأحفادهم المسيحيون اليوم ومنذ نحو عشرين قرنًا هم من أرقى الشعوب!

خاتمة

"ليس اللطف واللاعنف ضعفًا" بل خلافهما هو كذلك. وكما قال القديس يوحنا بولس الثاني، "حضارة المحبة" أو "حضارة الحب" هي المميزة للشعوب المسيحية وقد تأثرت بها المجموعة الدولية والدساتير المعاصرة. وتبدو تعليمات يسوع لأول وهلة عسيرة غير واقعية وقاسية إذ لا يمكن أن توصف المسيحية بأنها ديانة الغريزة بل مقاومة الغريزة. وفي هذه المقاومة صعوبة وشدّة ولكن ثمرتها السلام والخيروالتقدم والازدهار ليس فقط الروحاني الأخلاقي بل المادي والاجتماعي ايضًا مع الاستقرار السياسي والأمن الاجتماعي والوطني والدولي. وهكذا نكون بلطفنا ومحبتنا الشاملة نوعًا ما "كاملين كما أنّ أبانا السماوي كامل"، "مقتدين بالله  شأن أبناء أحبّاء، سائرين في المحبة سيرة المسيح الذي أحبّنا وبذل نفسه لأجلنا" (أفسس 5 : 1- 2).

 

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com