عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

++فكر القدّيسين++

 

++فكر القدّيسين++

تحضرني في عيد القدّيس سلوان الآثوسي، (24 أيلول)، تلك الحادثة، التي تشير إلى الطريقة التي يتعاطى فيها القدّيسون، الذين مسّتهم النعمة الإلهيّة. جاء في كتاب سيرته، لتلميذه الشيخ صفروني زخاروف، ما يلي:
"
لقد اطّلعنا على حديث بين الستاريتز [الأب الروحيّ] وأرشمندريت [رتبة كهنوتية] كان يعمل في خدمة رسوليّة، بين الجماعات غير الأرثوذكسيّة. هذا الأرشمندريت كان يحترم الستاريتز كثيراً، وغالباً ما كان يأتي للتباحث معه، في أثناء زيارته للجبل المقدّس [آثوس]. سأله الستاريتز كيف يعظ؟ فانتفض الأرشمندريت، الذي كان شابّاً وقليل الخبرة، بإشارات وحركات جسده، قائلاً: "إنّ إيمانكم هو الفسق. كلّ شيء عندكم معوّج وخاطئ، وأنتم لن تخلصوا إن لم تتوبوا".بعد أن استمع الستاريتز إليه، سأله: قلْ لي أيها الأب الأرشمندريت، هل يؤمنون بيسوع المسيح؟ وهل يؤمنون بالإله الحقّ؟- نعم إنّهم بذلك يؤمنون.
-
وهل يكرّمون والدة الإله؟- نعم إنّهم يكرّمونها، لكن عقيدتهم بشأنها خاطئة.
-
وهل يكرّمون القدّيسين؟- نعم إنّهم يكرّمونهم. لكن أيّ قدّيسين لدى هؤلاء، بعد أن انشقّوا عن الكنيسة؟
-
هل يقومون بالخِدَم [الصلوات المشتركة] في كنائسهم، ويقرأون الكلمة الإلهيّة؟
-
نعم إنّهم يقومون بالخِدَم وعندهم كنائس، لكن إذا أحببتَ أن تعرف ما هي خِدَمهم - أي بالمقارنة مع خِدَمنا – فأيّ برودة أو جفاف أو فقدان للروح والحياة تلقى فيها...- هكذا إذاً، أيّها الأب الأرشمندريت، جيّد أنّهم يؤمنون بيسوع المسيح، ويكرّمون والدة الإله والقدّيسين، ويتشفّعون بهم في صلواتهم. وإذا قلتَ لهم إنّ إيمانهم "فاسق"،  فلن يصغوا إليك في ما بعد ... لكن قلْ للبشر: جيّد أنكم تؤمنون بالله، وتكرّمون والدة الإله والقدّيسين، وحسناً تذهبون إلى الكنيسة للاشتراك في الخِدَم، وحسن أنّكم تصلّون في منازلكم وتقرأون الكلمة الإلهيّة؛ لكن قلْ لهم إنّهم يخطئون في هذه الفكرة أو تلك، وإن عليهم إصلاحها، وكلّ شيء عندها سيكون على ما يرام. إنّ السيّد سيفرح ويتهلّل بهم، وكلّنا سنخلص برحمة الله، أيّها الأب الأرشمندريت ... الله محبّة. لذلك كلّ اعوجاج عليه أن يُصلَح بالحبّ، وهكذا يَخلص جميع الذين يصغون إليك وإلى الكلمة الإلهيّة، وكلّ المبشّرين أيضاً. لكنّك إذا أدَنْتهم، فقلوبهم لن تسمعك، ولن تكون النتيجة مبارَكة لأيّ منكم".)ص57-58).

لم يَدِنْ القدّيس سلوان أولئك البشر، ولم يقلْ، أيضاً، إنّ إيمانهم سليم ومستقيم. تركيزه كان على خلاصهم، ولذلك ما اهتمّ بمناقشة عقائدهم، وإنّما بطريقة إصلاحها وإكمالها، لتصير مستقيمة وسليمة، وتقودهم، تالياً، إلى الخلاص. لم يحجب الخلاص عنهم. وكيف يحجبه وهو يدرك، تماماً، أنّ الخلاص يعود إلى الله لا إليه؟! 
عرف القدّيس سلوان أنّ الطريق الذي يسير فيه، طريقاً مضمونَ الخلاص، نظريّاً. أي إذا ما سلك المؤمن فيه بأمانة ورهافة لروح الله. ولذلك كان يطلب هذا الخلاص لجميع البشر. صلاته الدائمة المميَّزة كانت: "يا ربّي يسوع المسيح اجعلْ البشر يعرفونك بالروح القدس". ثمّة معرفة نظريّة لله، مختلفة تماماً عن تلك التي يطلبها القدّيس؛ معرفة تنطلق من النصوص فقط وتصدِّق أنّها إذا ما عرفت، عقليّاً، واختارت العيش بحسب هذه المعرفة، فالخلاص أضحى في يدها. يعلّمنا القدّيس سلوان أنّ معرفة الله الحقيقيّة لا تكون بالمعلومات، مهما كانت هذه سليمة وعميقة ودقيقة، بل بملامسة الروح القدس للإنسان المتنقّي المتطهّر، الذي فتح كيانه كلّه للروح القدس، ووضع مشيئة الله محلّ مشيئته.  هذا يصير همّه أن يخلص جميع البشر، ويتألّم إذا ما التقى إنساناً، لا يريد معرفة الله ولا الحياة الحقّة، بل يسلك طريقاً مغلوطة. لم يختبر القدّيس سلوان، شخصيّاً، في جبل آثوس، تحدّيات ذوي المذاهب والأديان والفلسفات الأخرى، ولم ينخرط في الدفاع عن الإيمان المستقيم أمامهم. لكنّه في سيرته، بعامّة، وفي هذه الحادثة، بخاصّة، يكشف بوضوح أنّ الإصلاح الحقيقي لأي شيء، لا يتمّ بالإدانة، بل بروح الحبّ فقط.تعليم القدّيس سلوان هذا ما كان من عنده، ولا من جامعات درس فيها، ولا من تيارات رأى فيها المُدافِع الأمين عن الكنيسة والإيمان الأرثوذكسيّ، بل من الله مباشرة، من اختباره الروح القدس، الذي لمسه مرّات كثيرة.  لقد رأى المسيح حيّاً "في المكان الذي توجد فيه أيقونة المخلّص في كنيسة النبي إيليّا، المقامة في مطحنة الدير". حدث هذا الظهور الإلهيّ له، ومسّت النعمة الإلهيّة كيانه، في بدء مسيرته الرهبانيّة. وبعد وقت، زارته النعمة الإلهيّة، ثانية، ولكن بقوّة أقلّ. ومذّ ذاك بدأ الله "يلاعبه" بزيارته تارة، واحتجابه تارة، حتّى يُنضجه ويُنمّيه، ليبلغ "ملء قامة المسيح". 
ومع كلّ اختبار نوراني كان يزداد تواضعاً؛ ولا نقرأ، مرّة واحدة، في كتاباته، أو في كتابات الذين عاصروه وكتبوا عنه، أنّه   اعتبر نفسه مستحقّاً لأن يتكلّم عن منح النعمة الإلهيّة أو حجبها عن بعضهم، لسبب أو لآخر،

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com