عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E اعيادنا المسيحية

ناصرة البشارة ـ بقلم : المطران بطرس المعلم

ناصرة البشارة ـ بقلم : المطران بطرس المعلم
يحتفل العالم يوم الجمعة 25 آذار بعيد البشارة، فتعود الناصرة عاصمةَ الدنيا، اليها تهفو القلوب وتحجّ النفوس من كل أرض تحت السماء. هنا، عندنا، في "مدينة في الجليل تسمَّى الناصرة"، جرى الحدَث الفريد في تاريخ الكون، اذ "أرسل الله الملاك جبرائيل الى فتاة (من بناتنا)، مخطوبة لرجل (من شبابنا) من بيت داود، اسمه يوسف، واسم الفتاة مريم. فدخل الملاك اليها وقال: السلام عليك، أيتها المُنعَم عليها، الرب معك." (لوقا 1/26-28). "وإذ قالت الملائكة: يا مريم، ان الله اصطفاك وطهّرك واصطفاك على نساء العالمين" (آل عمران 42) – " فاضطربت (مريم) لهذا الكلام، وتساءلت ما عسى أن يكون هذا السلام. فقال لها الملاك: لا تخافي يا مريم، فقد نِلتِ حظوة عند الله. وها أنت تحبلين وتلدين ابنا وتسمّينه يسوع. وسيكون عظيما، وابنَ العليّ يُدعى" (لوقا 1/29-32) . " إذ قالت الملائكة: يا مريم، ان الله يبشّرك بكلمة منه، اسمه المسيح عيسى ابن مريم، وجيها في الدنيا والآخرة ومن المُقَرَّبين" (آل عمران 45) – "فقالت مريم للملاك: كيف يكون هذا وأنا لا أعرف رجلا ؟ فأجاب الملاك وقال لها: هو الروح القدس يحِلّ عليك، وقدرة العليّ تظلّلك. لذلك فالقدوس الذي يولد منك يُدعى ابن الله...وليس على الله أمر عسير" (لوقا 1/ 34-37) ,"قالت (مريم): أنَّى يكون لي ولد ولم يمسَسْني بشر؟ قال: كذلك يخلق الله ما يشاء، اذا قضى أمرا فإنما يقول له كُنْ فيكون" (آل عمران 47) – "فقالت مريم: اني أمَة الرب، فليكن لي كما تقول. وانصرف الملاك من عندها" (لوقا 1/38).

غالبا ما تتقارب الأعياد عندنا وتتزامن، فنعيِّد جميعا، مسيحيين ومسلمين، ونتبادل التهاني والزيارات والهدايا، في أجواء يغمرها الفرح والبهجة. ولكن تلك المظاهر، على أهميتها، قلّما تعدو كونها مجاملات ولياقات اجتماعية، لأن مضامين الأعياد مختلفة في جوهرها. أما عيد البشارة فهو الوحيد الذي يشعر فيه المسلم والمسيحي أنهما يقولان ويعتقدان الشيء نفسه. فزغردات الأجراس في العالم كله، وصداح المآذن في شتى جنبات الدنيا، تحمل الى الجميع الخبر السعيد نفسه، والبشرى السارّة المبهجة نفسها. إنسان اليوم يعيش في الحيرة والقلق، فواحد يبحث عن الطريق في ماورائية غيبية ضبابية، وآخر يهيم في لاأدرية او مادية او إلحادية عقيمة. لهؤلاء وأولئك يقول عيد البشارة: اني أبشركم بفرح عظيم للجميع: اليوم، هنا، في الناصرة، السماء والأرض تلتقيان، وابن العليّ، كلمة الله، يسوع ،المسيح، عيسى ابن مريم، يصبح مواطنا لنا وواحدا منا." وجعلنا ابن مريم وأمه آية" (المؤمنون 50) "وجعلناها وابنها آية للعالمين" (الأنبياء 91). فهنيئا لها بابنها، وهنيئا له بأمّه، وهنيئا لنا بكليهما. ذاك هو الحدَث الآية، الأمومة المعجزة الفريدة. أمامها تفيض ترانيم الكنيسة رقّة وعذوبة وبهجة: "إستيشري أيتها الأرض بالفرح الأعظم، وسبّحي أيتها السماوات مجد الهنا  -  السلام عليك أيتها السيدة ، فخر العذارى والأمهات، يا من هي أمٌّ وبتول معا. -  السلام عليك يامن جمعت في ذاتها بين متناقضَِين، يامن قرنت بين البتولية والنِّفاس -  السلام عليك يا ركن البتولية وإكليل العفّة، يا سَوسناً فوّاحا وبخورا ذكيّا وطِيباً جزيل الثمن -  السلام عليك يا من ولدت غارس النقاوة، يا مربّية صالحة للعذارى..." عشرات بل مئات الهتافات الشبيهة يترنم بها المؤمن في هذا اليوم بالذات ("الجمعة وداع المدائح")، مبتدئاً النشيد هكذا: " أفتح فمي فيمتلئ روحا، وافيض بنشيد للأمّ الملكة، وأبدو معيّدا بحبور، وأشيد بعجائبها مسرورا". فهو أيضا في عيد الأمّ، والى جانب أمّه وكل الأمهات، لا ينسى امّه العذراء مريم، ملكة الأمهات، المصطفاة على نساء العالمين, فيقدم اليها تهاني العيد بحب وفرح، مشيدا بعجائبها، اي بآيتها وابنها في العالمين.

أمام "آية" مريم وابنها يخشع العقل، ويحار الفكر، ويحاول الإنسان مقاربة هذا السر العظيم بكل ما أعطي من طاقات ومواهب. فالأدب شعرا ونثرا، والفن رسما ونحتا، ومسرحا وموسيقى، ...كلها، ولكبار المشاهير، وفي شتى أقطار الدنيا، حاولت مداناة المعجز الفريد والتعاطي معه من ناحية او أخرى. مثَل على ذلك: الأديب الشاعر والمفكر والسياسي والدبلماسي الكبير بول كلوديل  (+ 1955) يتصور، في خيال وحسٍّ مرهَف، ان كلمة الله عندما أراد أن يتّخذ له أمّا، ارادها ان تكون أجمل شيء في الدنيا، فنزل الى الأرض، وراح يجول في الحدائق يتفحص الأزهار ليختار اجملها، الى ان لقي زنبقة اسمها الحُب (وبالفرنسية AIMER)، فأخذها ونثر بَتَلاتها اي أوراقها (وهنا يعني حروفها)، ثم أعاد ترتيبها على وجه آخر، فكانت MARIE  (= ماري) اي مريم، وكانت أمه. –  اما الشاعر اللبناني رشيد الخوري، الملقب بالشاعر القروي (1887- 1984) فقد كان من شعراء المهجر، وعاش مدة طويلة في البرازيل بعيدا عن أمه. الى ان زارته يوما بعد طول فراق، وكان ذلك في يوم عيدها. فاستقبلها بشوق ولهفة. وبعد العشاء قامت لتنام وتستريح من عناء السفر، اما هو فقام الى ورقة وقلم يداعب بهما قصيدة من وحي خياله المجنَّح وعاطفته الرقيقة. وصباح اليوم التالي حمل القصيدة هدية لأمه في عيدها بعنوان "حضن الأم" فكانت "أجمل قصيدة في الديوان". ماذا في القصيدة ؟ تصوَّرَ الشاعر نفسَه قد مات وانتقل الى السماء. استقبال رائع: ملائكة، قديسون، ترانيم وموسيقى تسبيح لله، الغبطة على وجوه الجميع. بعد ساعة اخذ الملل يتسرب اليه، ثم دبّت اليه الكآبة. سأل احدَ القديسين: اين طريق العودة الى الأرض؟ استغربَ القديسُ السؤال وقال: الطريق هنا في اتجاه واحد، ولا عودة من هنا الى الأرض. انفجر الشاعر بالبكاء، ثم علا عويله، فأزعج السماء ومن فيها. دعاه رب السماء يستجلي منه الأمر: ألم تعجبك سمائي؟ هل آذاك أحد بشيء ؟ هل مَن مسّ شعورك بكلمة؟ والجواب: لا، ولكن دعني اعود الى الأرض. استغربَ الرب هذا الإصرار، وطلب معرفة السبب. عبَثٌ ما تطلب، أجاب الشاعر، فأنت الرب العلي القدير...(وكرّ له الأسماء الحسنى جميعا) ولكن ينقصك شيء، ولن تستطيع فهمي، مهما حاولتُ أن أشرح لك : أنت ليس لك أمّ، ولا تعرف فرحةَ أن تقول يا ماما! فأطرق رب السماء، تقول القصيدة: أمعقول هذا؟ اوَ تكون على الأرض سعادة ينعم بها الإنسان، وفي السماء لم يعرفها ولم يسمع بها رب السماء؟ وللحال جلسة طارئة لمجلس شورى السماء. وتنتهي القصيدة بهذا البيت:

وكانت ليلة فإذا صبيٌّ *** صغيرٌ نائم في حضن مريم

من ناصرة البشارة، حيث الابن وأمه آية للعالمين، نتوجّه الى كل ابن، طفلا كان ام شابا ام كهلا، بأحر التهنئة والمعايدة بعيد أمه، حفظها الله له وحفظه لها. كما نتوجّه في عيد الأم الى امهات العالمين تحت كل سماء، ولاسيما الى امهات بلادنا، الى كل أمّ أنامت يوما في حضنها طفلا، لا يزال اليوم صغيرا أو هو أصبح كبيرا، ولكنها دوما تغمره بالدفء والحنان، نتوجّه اليها بتحية الحب والشكر والتقدير والإكبار، والدعاء الى الله ان يحفظها لنا طويلا طويلا، ذخرا لنا وبرَكة، وقدوة صالحة لبناتنا وأخواتنا امهات المستقبل.

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com