عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

من أجل فهم أفضل للقداس الإلهي

أجل فهم أفضل للقداس الإلهي

تمهيد

ليست هذه الصفحات ترجمة جديدة لخدمة القداس الإلهي التي كتبها القديس يوحنا الذهبي الفم. ولا هي دراسة لهذه الخدمة متسلسلة. كذلك لا تحتوي شروحات تاريخية ولا توسيعات لاهوتية { من أجل المزيد من المعلومات على القداس الإلهي، راجع (مدخل إلى القداس الإلهي)، لكوستي بندلي، و (من أجل فهم الليتورجيا وعيشها) لرهبنة دير الحرف، و (ذبيحة التسبيح) لفريدا حداد، و (مائدة الرب) للأب افناسييف، و (الكنيسة الأرثوذكسية إيمان وعقيدة) لتيموثي وير، و (العبادة الفردية والعبادة الجماعية) للأب فلوروفسكي، كلها في منشورات النور (الناشر) }. هي تعليقات (notes) بسيطة، أي ملاحظات مختصرة تُبرز بعض المقاطع من نص الخدمة وبعض المواضيع الرئيسة من هذه الصلاة الطويلة والكثيرة الغنى التي حملها القديس يوحنا الذهبي الفم من أنطاكية إلى القسطنطينية في القرن الرابع، والتي هي، في خطوطها العريضة، مثبتة في مخطوطات يونانية من القرن الثامن. ولقد أردنا توجيه انتباه المؤمنين وتفكيرهم إلى بعض الذرى الروحية في هذا النص.

لم نكتب للعلماء ولكن للعامة، رجالاً ونساء، وحتى للتلاميذ، للنفوس الأقل إلفة مع المناقشات العقائدية والتي ترغب، مع ذلك، في أفكار أوّلية محددة.

بعض الكلمات على البنية العامة لخدمة القديس يوحنا الذهبي الفم لن تكون بلا فائدة.

إن هذه الخدمة التي نتأمل فيها الآن تجمع، كالخدم المسيحية القديمة، نموذجين للاجتماع الليتورجي: خدمة الكلمة وخدمة الإفخارستيا.

تأتي أولاً خدمة الكلمة وهي ترتكز إلى الكلمة بوجهيها: كلمة الإنسان الذي يتوجّه إلى الله، وكلمة الله الذي يتوجّه إلى الإنسان. يتوجّه الإنسان إلى الله من خلال الطلبات السلامية، وهي سلسلة من الطلبات يرفعها الكاهن أو الشماس باسم الجماعة. ويفصل بين هذه الطلبات تراتيل وتلاوة مقاطع من الكتاب المقدس (ستيخونات، خاصة من المزامير) مع صلوات ندعوها (سرّية) (الأفاشين السرية) يتلوها الكاهن.

ثم إن (الدخول الصغير) (الدورة الصغيرة) للكاهن وهو يحمل كتاب الأناجيل يشير إلى أن هذا القسم من الخدمة يوجّه الفكر إلى الكلمة الإلهية المكتوبة. بعد صلاة التعظيم (تريصاجيون: (قدوس الله، قدوس القوي، قدوس الذي لا يموت، ارحمنا...) تعاد ثلاث مرات)، تتلى الرسالة والإنجيل الموافقان لليوم، وتليهما عادة عظة.

عندها تبدأ الخدمة الإفخارستيا الشكرية. يُحمل الخبز والخمر إلى المائدة المقدسة. هذا هو (الدخول الكبير) (الدورة الكبيرة)، تليه تلاوة دستور الإيمان. يقرأ الكاهن، بعدئذ، الصلاة الشكرية الكبيرة التي تتضمن الشكر لله على كل عطاياه والدعاء الإنجيلي في تأسيس سر الشكر في العشاء السري للسيد، واستدعاء الروح القدس علينا وعلى القرابين.

هذه الصلاة الطويلة التي تتخللها بعض الاستشفاعات والتذكارات، تبلغ ذروتها في الصلاة الربيّة (أبانا الذي في السماوات...). يناوَل المؤمنون، بعدها، جسد الرب ودمه. وتنتهي الخدمة باستشفاعات قصيرة وتبريكات.

هذه هي الخطوط الكبرى لخدمة القديس يوحنا الذهبي الفم، والتي سيستخرج هذا الكتيّب بعض عناصرها ليقدمها للقراء بشكل أفضل فيلتقطوها بانتباه وورع.

كثيرون عملوا ما سعينا هنا إلى عمله. عملوه بأفضل منا كثيراً. وإذا كان لهذا الكتيّب فضل ففي بساطته وإيجازه.

فليجعل الرب من عملنا هذا، على تواضعه، عوناً لبعض النفوس في أن تعبده بالروح والحق.

بيروت، ميلاد 1971

 في السلام

1.      دخول الملائكة القديسين دخول الكتاب نتقدم بتوبة السلام لجميعكم آمين النور الصافي  النفوس الأجساد لنسمع الإنجيل المقدس الدخول الكبير شركة محبة وشركة إيمان الأبواب تحت نفخة الروح القدس أتؤمن بهذا ؟ صلاة شكرية تقدمة عنصرة مباركة أنت في النساء جميعهم وجميعهن

2.      الصلاة الربّيّة عشاء الرب قد نظرنا النور الحقيقي

 في السلام

تفتتح الطلبة الكبرى التي تبتدئ بها الخدمة الإلهية بطلبة تلحّ في أن يُعطى لنا السلام.

وبالفعل، فإن هذه الطلبة مهمة جداً وأساسية. فهي تتكرر ثلاث مرات بأساليب مختلفة قليلاً. وهذه ليست إعادات غير ضرورية، إذ تحمل كل واحدة منها معنى عميقاً وخاصاً.

آ- (بسلام إلى الرب نطلب). المقصود، أولاً، أن نضع ذواتنا في حالة سلام داخلي. فمن سيشترك (1) في القداس الإلهي عليه أن يطرد من فكره كل تشويش، أن يغلق كل نافذة على التجارب الجسدية والدنيوية وأن يتحرر من كل تسلط لـ (أمور) هذا العالم ومن كل شعور عدائي تجاه أي إنسان ومن كل قلق شخصي. عليه أن يقف أمام الله في حالة هدوء وانتباه واثق وتركيز على (الحاجة الوحيدة).

ب- وها هي، فوراً، طلبة ثانية: (من أجل السلام الذي من العلى وخلاص نفوسنا، إلى الرب نطلب). السلام الذي طلبناه منذ قليل هو شيء آخر مختلف عن حالة نفسية نصلها بجهودنا. هذا سلام يأتي (من العلى). يجب أن نعترف، متواضعين، بأن هذا السلام عطية من الله، وأن ننفتح على هذه العطية ونمدّ لها أيدينا. وعلينا، من جهة أخرى، أن نعترف بأن السلام الإلهي و (خلاص نفوسنا) مترابطان في العمق. السلام إشارة إلى حضور المخلّص وعمله فينا.  

ج- وهذه، أخيراً، طلبة سلامية ثالثة: (من أجل سلام كل العالم وحسن ثبات كنائس الله المقدسة واتحاد الكل، إلى الرب نطلب). السلام الذي نطلب يتجاوز أشخاصنا المنعزلة ويتخذ طابع التطبيق العملي. نصلّي من أجل سلام الكون، ليس فقط من أجل البشر، ولكن من أجل كل الخلائق، من أجل الحيوانات، من أجل النباتات، من أجل الكواكب وكل الطبيعة. هكذا ندخل في تقوى كونية ونتعاطف مع كل ما خلقه الله. نصلّي من أجل كل تلاميذ المسيح ومن أجل أن يعبدوا جميعهم الله (في الروح والحق). نصلّي من أجل زوال الحروب والصراعات بين الأمم والأوطان والطبقات. نصلّي من أجل أن يتّحد جميع الناس في حب واحد.

كل هيكل للسيد بيت (حضور إلهيّ) وبيت صلاة. كل هيكل أيضاً بيت للسلام. فلتصر نفس كل من يدخل إلى هذا الهيكل ليشارك في الاجتماع الإلهي، لتصر هي أيضاً بيتاً للسلام.

دخول الملائكة القديسين

يتم الطواف بالإنجيل في زيّاح يتجه نحو الهيكل. هذا هو الطقس المدعو (الدخول الصغير) (الدورة الصغيرة). ماذا يعني هذا الدخول الصغير؟ تعبّر عن معنى هذا الدخول الصلاة التي يتلوها الكاهن عندئذ وفيها: (... اجعل دخولنا مقروناً بدخول ملائكة قديسين يشاركوننا في الخدمة وفي تمجيد صلاحك). الملائكة يشاركوننا اجتماعنا. هم يصلّون معنا ومن أجل كل منّا. نحن محاطون بجمع الملائكة. إنهم يحرسوننا ويساعدوننا ويحبوننا. يجب أن نجتهد للدخول معهم في علاقة واثقة وحميمة.

فلنلاحظ أن نص القداس يقول إننا والملائكة نخدم (صلاح) الله. لا يقول النص إننا نخدم مجد الله أو قدرته، إنه يضع النبرة على (صلاح) السيد. فمجد الله هو، بالتأكيد، إشعاع صلاحه، وقدرة الله تجعل هذا الصلاح فاعلاً. لكن الخدمة الإلهية توجّه نظرنا، أولاّ، نحو الصلاح. وطقس (الدخول الصغير) هو دخول في صلاح الله، في هذا الصلاح الذي يعرفه الملائكة أفضل مما نعرفه بكثير. هو دخول في هذا الصلاح الذي يتوجّه إليه دعاء نردّده في القداس باستمرار: (يا رب ارحم).

دخول الكتاب

أثناء زيّاح الدخول الصغير (الدورة الصغيرة) يحمل الكاهن أو الشماس كتاب الأناجيل المقدسة. يتوقف الموكب أمام أبواب الأيقونسطانس. يرفع الكاهن أو الشماس (حامل كتاب الأناجيل) الكتاب ويبرزه للمؤمنين قائلاً: (حكمة! فلنستقم)، ثم يدخل الهيكل ويضع الكتاب على المائدة المقدسة.

ليس الدول الصغير دخولاً للملائكة فقط، ولكنه، أيضاً، دخول لإنجيل السيد يسوع المسيح إلى قلب كلٍّ منا. ويعني الإعلان: (حكمة!) أن الأناجيل هو الحكمة الفائقة، هو الحكمة الإلهية المعلنة والتي تتجاوز، بما لا يقاس، كل معرفة بشرية، ويشير الطلب: (فلنستقم!) إلى الإجلال العظيم الذي ينبغي أن نتقبل به كلمة السيد. ثم إن إبراز الإنجيل للمؤمنين دعوة لسماع كلمة المعلِّم وإتباعها.

يبقى كتاب الأناجيل موضوعاً على المائدة طيلة القداس الإلهي. كما توضع عليها أيضاً (القرابين المقدسة) التي ستستخدم في عشاء السيد السري (في الذبيحة الإلهية). وهكذا يتأكد التلازم بين الطعام السماوي غير المنظور وهو كلمة الله، والمشاركة في جسد مخلصنا ودمه. يبقى الأناجيل على المائدة المقدسة كأنه ينتصب ويدعو. فهل دخل إنجيل يسوع قلوبنا في هذا الدخول الصغير؟

نتقدم بتوبة

إذا كانت خدمة القديس يوحنا الذهبي الفم لا تُستهل، كبعض القداديس المسيحية الأخرى، بصلاة خاصة للاعتراف بالخطايا وإعلان المغفرة الإلهية، إلا أن هذين العنصرين (الاعتراف بالخطايا وإعلان المغفرة الإلهية) موجودان، مع ذلك، فيها وإن بشكل أقل وضوحاً منه في غيرها. فهما يبرزان بوضوح في الصلاة التي يرفعها الكاهن قبل تلاوة الرسالة. وبالفعل فإن هذه الصلاة التي، وللأسف، يجهلها المؤمنون عموماً، تحتوي على الكلمات التالية: (... يا من لا يهمل الذين يخطأون بل وضع توبة للخلاص... أنت أيها السيد تقبّل من أفواهنا أيضاً نحن الخطأة التسبيح المثلث التقديس، وافتقدنا بغنى صلاحك واغفر لنا كل ذنوبنا الطوعية والكرهية. قدِّس نفوسنا وأجسادنا...). كل ما وجب قوله يقال في هذه الصلاة. ليس فيها تعداد للخطايا بل اعتراف متواضع بوضعنا كخطأة ولجوء إلى رحمة الله اللامتناهية.

ويتوجّه الكاهن، في هذه الصلاة نفسها، إلى الله فيقول: (لقد أهلتنا نحن عبيدك الأذلاء غير المستحقين أن نقف في هذه الساعة أيضاً أمام مجد مذبحك المقدس...). لقد أهلتنا أن نقف أمام مائدة السيد. فلْنَرَ جيداً التأكيد الوادع والبَنَويّ في هذه الصلاة. فنحن لا نقول هنا: (أهِّلنا) ولكن: (لقد أهلتنا). نحن لا نشك في أن سيدنا الرحوم قد استجاب لشوقنا إلى نعمة الغفران بأن أعادنا أبناء له مصالَحين ومحبوبين.

السلام لجميعكم

هذه العبارة هي التي كثيراً ما يردّدها الكاهن أثناء القداس إذ يتجه نحو المؤمنين مباركاً إياهم.

لقد رأينا في بداية هذه التأملات معنى طلب السلام وأهمية هذا الطلب الذي كثيراً ما يردده الكاهن أو الشماس. فالعبارة (السلام لجميعكم) هي، بمعنى ما، جواب الله على هذا الطلب، إلا أننا ألفنا هذه العبارة إلى حد أن الكثيرين منّا ما عادوا يستطيعون أن يحسّوا قيمة ما تحمله ووزنه.

عندما يرفع الكاهن يده مباركاً وقائلاً: (السلام لجميعكم) فهو يبلّغنا واقعاً. إنه يمنحنا هبة من لدن الله ونعمة، يمنحنا السلام الذي يأتينا من الله لا منّا، السلام الذي يحلّ علينا ويدخل فينا. هل نحسّ هذا السلام في قلوبنا ؟

هل نحن واعون حقاً أن السيد يهبنا سلامه ؟ هل لنا الإيمان بأن السلام المعطى لنا هكذا وفي مرات كثيرة يحمل في ذاته ما يهدّئ اضطراباتنا وآلامنا ؟ ربما سمعنا، مئات المرات، في القداس، هذا (السلام لجميعكم) دون أن نوليه انتباهاً جديّاً. لقد حانت الآن الساعة المؤاتية التي يجب أن نسعى فيها، وبقلب جديد، إلى أن نتقبل في ذواتنا سلام يسوع هذا المعطى لنا ونحافظ عليه.

آمين

هذه هي الكلمة التي يقولها المؤمنون في أكثر الأحيان أثناء القداس. إنها جواب الشعب على الصلوات التي يرفعها الكاهن أو الشماس بصوت عال.

ما قيمة كلمة آمين التي نقولها ؟ هي تعني، في العبرية، أن موضوع كلامنا يقينيّ وثابت. ثم إن تفوّهنا بهذه الكلمة يعني منّا التزاماً. فالكلمة تعني كل واحد من الذين يقولونها، تعنيه شخصياً.

وبالفعل، فإننا كثيراً ما سمعنا هذا الـ (آمين)، كثيراً ما قلناه، بحيث فقد كثيراً من زخمه وقوته. جعلنا منه ردة فعل آلية إزاء بعض كلمات في القداس. فبدلاً من (إنه، حقاً، هكذا)، وهذا هو المعنى الأصلي لكلمة آمين، نضع قبولاً فاتراً في التزام سطحي، وكأن واحدنا يقول: (نعم، بكل رضى، فليكن هكذا). لا نحسّ أن حياتنا كلها وكياننا كله داخلان، عميقاً، في فعل إيمان وثقة حارَّين.

فلنبدأ، اليوم بالذات، وفي هذا القداس الذي نشارك فيه الآن، لنبدأ بإعطاء كلمة آمين التي نقولها المعنى الذي يجب أن تتخذه بالنسبة لنا. لنجعل من كل آمين اندفاعاً حيّاً نحو الله وصرخة توحدنا بكلمته ومشيئته.

النور الصافي

تُقرأ الرسالة. تعقبها تلاوة الإنجيل، ويُمهد لها الكاهن بصلاة تبدأ هكذا: (أيها السيد المحب البشر، أطْلع في قلوبنا نور معرفتك الإلهية...).

كما سبق وقلنا، فالقداس الإلهي لا يجمع المؤمنين حول عشاء السيّد، فقط، ولكنه، أيضاً، يجمعهم حول كلمة السيّد. هو التفاف حول الكتاب مثلما هو التفاف حول الكأس. ففي إعلان الإنجيل وفي الاستلام الحقيقي لهذه الرسالة، سنجد أنفسنا في اتصال حيّ مع هذا الذي هو (نور العالم).

هذا النور (يضيء في الظلمة)، ممّا يعني أنه محاط بظلمات وقوى مضادة، ومع ذلك، لن يتغلّب عليه الظلام. وهذا التأكيد نتحققه في كل العالم الوسيع المحيط بنا. كما أنه تأكيد حقيقي بالنسبة لكل واحد منّا، لأن كل إنسان يحمل في ذاته، في نفس الوقت، قوة الظلمات ونوراً لن يطفأ أبداً.

فلنتهيأ لسماع الإنجيل بانفتاحنا على النور. وليكن هذا النور، هذه المعرفة التي تأتينا من الله وليس من جراء أتعابنا، هذا النور الداخلي نفسه الذي كان يخرج من الرب يسوع ويشعّ حوله، ليكن هادياً كل خطواتنا في الطريق. نعم، كل خطوة من خطواتنا. فليس ثمة أشياء صغيرة في حياة الروح. فالرسالة التي أكتبها والحديث الذي أُنشئه والوقت الذي أقضيه، هذه كلها يهدينا الله فيها مثلما يهدينا في القرارات الكبرى التي تتطلب منّا التزاماً كيانياً.

وليضئ هذا النور ليس فقط سيري في الطريق التي يريدها الله، ولكن ليضئ كل ناحية من حياتي الروحية، وليجعل كل إنسان وكل شيء قائماً في المكان الذي يريده له الروح الإلهي. يا نور العالم اجعلني أتقدم من نور إلى نور.

النفوس والأجساد

يتابع الكاهن الصلاة قبل الإنجيل، ويتلو هذه الكلمات: (لأنك أنت استنارة نفوسنا وأجسادنا أيها المسيح إلهنا...).

استنارة أجسادنا ؟ نحن ندرك جيداً أن (نور العالم) ينير نفوسنا. ولكن كيف ينير أجسادنا، وإلى أي حدّ ؟ نسمع في صلاة الكاهن قبل الإنجيل أيضاً هذه الكلمات: (... لكي ندوس كل الشهوات الجسدية). فكيف يمكن للجسد نفسه أن يُداس ويستنير في آن ؟

الجسد، في ذاته، صالح، اللهُ خَلَقَه وبارَكَه. ولكنّ هذا الجسد الذي جرّحته خطيئة الجدّين الأولين وأضعفته، كثيراً ما يكون مصدراً لتجارب مختلفة. وقد يكون أيضاً حائطاً فاصلاً، انغلاقاً أنانياً، أداة مقاومة للروح القدس. إلاّ أن هذه كلها انحرافات. فالجسد، كما فكر الله فيه وأراده، هو أداة خلاص. هكذا، فالله هو مبدأ الحب بين الرجل والمرأة، وقد جعل الإتحاد الزوجي سراً. وهكذا أيضاً، فالله يفرض علينا أن نحافظ على جسدنا ونعتني بصحتنا ونصلّي من أجل المرضى. ثم لقد كرّم الله جسدنا إلى حدّ أنه أراد هو نفسه أن يتجسد في شخص ربنا يسوع المسيح. من اجل هذا، يدعونا القداس الإلهي، من خلال الصلاة نفسها التي تتلى قبل الإنجيل، (لندوس) شهوات الجسد (الرديئة منها والتي تفصلنا عن الله وعن إخوتنا) ونهذّ (باستنارة أجسادنا) كما باستنارة نفوسنا.

إذ أننا سنصغي إلى قراءة كلمة الله، فلنطلب، مع فاتحة الإنجيل بحسب القديس يوحنا، أن (تصير هذه الكلمة جسداً) فينا، و (تسكن فينا) وتدخل إلى أعماقنا حتى يصير جسدنا غلافها الشفّاف.

لنسمع الإنجيل المقدس

(حكمة. فلنستقم ونسمع الإنجيل المقدَّس)، يقولها الآن الشماس أو الكاهن. ويُتلى مقطع إنجيل اليوم.

يجب أن نلاحظ أن المقصود ليس هو مجرد سماع الإنجيل، بل الإصغاء إليه في العمق، وذلك بأن ننتبه جيّداً إلى الكلمة الإلهية ونفتح لها لا آذاننا فحسب بل قلوبنا أيضاً.

تعني كلمة (إنجيل) (البشرى السارة). لذا فالعبارة الطقسية (لنسمع الإنجيل المقدَّس) تعني بالتالي (لنسمع البشرى المقدَّسة السارّة). ذلك أن كل مقطع من الإنجيل يحوي بشرى سارّة، رسالة مفرحة، إعلان شيء عظيم يخص كلاً منّا. للوهلة الأولى، قد لا يبدو لنا الإنجيل كأنه (البشرى السارّة). قد يقول كل واحد منّا في قلبه وهو يصغي إلى المقطع الذي سوف يُتلى: (لقد سمعت هذا مرّات عدّة! ليس فيه أبداً ما يعنيني). إلاّ أن كل جزء من الإنجيل، أياً كان، حتى ولو كنا قد سمعناه مرّات كثيرة، له دائماً شيء يقوله لنا. إذا أصغينا إلى هذا الإنجيل بتواضع وخشوع فسنكتشف فيه، مع كلّ مرّة، جملة أو كلمة لم نكن لنلاحظهما إلى الآن، فتسترعيان انتباهنا كما لو أننا نسمعهما للمرّة الأولى. وهذه الرسالة – هذا التبليغ – ليست موجّهة إلى جماعة المصلّين جملة، إنّما هي موجهة إلى كل مصلٍّ شخصياً. إنها موجّهة إليّ أنا.

وعند سماعي تلاوة الإنجيل يجب أن أفكر بأن (هذه هي الكلمة التي احتفظ بها ربنا لي إلى هذا اليوم. هذا ما أراد أن يقوله لي اليوم. هذا ما يقوله لي. سوف أحفظ، باهتمام بالغ، هذه الكلمة في قلبي).

الدخول الكبير

الآن يُحمل إلى المائدة المقدّسة الخبز والخمر اللذان جُهِّزا ووضعا على مائدة أخرى قائمة في أحد جوانب الهيكل. يتم ذلك في طواف أمام المؤمنين ندعوه (الدخول الكبير) (الدورة الكبيرة) تمييزاً له عن (الدخول الصغير) (الدورة الصغيرة) الذي تكملنا عليه آنفاً والذي فيه يُنقل كتاب الأناجيل.

في هذه الأثناء يرتل الجوق: (أيها الممثلون الشاروبيم تمثيلاً سرّياً، والمرنمون التسبيح المثلث تقديسه للثالوث المحيي، لنطرح عنّا كلّ اهتمام دنيويّ). في (الدخول الصغير) رسمنا دخول الملائكة مقروناً بدخولنا نحن، أمّا في (الدخول الكبير) فنحن نرسم ما هو أبعد من ذلك، إذ نعلن أننا أصبحنا، (سرّياً) وبنعمة الله، صورة الملائكة وممثليهم. وهكذا نماثل الملائكة، إذا صحّ القول. لذا يجب علينا، في هذه اللحظة التحويلية، أن نطرح كل اهتمام عالميّ وننسلخ عن كل ما لا يتّجه بنا نحو الله.

إلاّ أننا، مع ذلك، لا نستطيع أن ننسى حاجات إخوتنا وأخواتنا أو نهملها، بل يجب أن لا ننسى حاجاتهم أو نهملها. كذلك فإننا نسمع الكاهن في هذا (الدخول الكبير) وقبل أن يجتاز الباب الملوكي متجهاً إلى المائدة المقدّسة، نسمعه يذكر رعاة الكنيسة والبلد والمدينة التي نحن منها، ويذكر أيضاً كلّ من أقيمت الذبيحة الإلهية عن نيّتهم. عقب هذا يضع الكاهن الخبز والخمر على المائدة المقدّسة ويبخّرهما فيما يرتل الجوق: (لكوننا مزمعين أن نستقبل ملك الكلّ مزفوفاً من المراتب الملائكية بحال غير منظورة).

شركة محبة وشركة إيمان

تلي (الدخول الكبير) طلبات كثيرة. الخدمة الإلهية تتدرّج بنا نحو إعلان الاعتراف بإيماننا اعترافاً جماعيّاً. ويمهِّد الشماس أو الكاهن لهذا الاعتراف بأن يتوجه إلى المؤمنين حاثّاً إياهم بقوة على المحبة: (لنحبَّ بعضُنا بعضاً لكي، بعزم واحد، نعترف مقرِّين...). يتابع الجوق: (... بآب وابن وروح قدس ثالوثاً متساوياً في الجوهر وغير منفصل).

هذه اللحظة لها معناها الهام جداً، لأن الكلمات التي قيلت الآن تعبِّر عن طبيعة الكنيسة بالذات. ففي محبة مشتركة وبمحبة مشتركة تعلن الكنيسة إيمانها في شركة المحبة العظمى، هذه الشركة التي يشكلها الآب والابن والروح القدس. الكنيسة شركة محبة. شركة المحبة هذه تعلن نفسها شركة إيمان؛ فالذين لا يريدون أن يتحابّوا لا يستطيعون أن يعترفوا، عن استحقاق، بمحبة الثلاثةِ الأقانيمِ الإلهيّة. ليس بإمكاني أن أقول: (أؤمن بالمحبة) (أي أؤمن بـ الله المحبة)، لولا أنني ضمَّنت هذه المحبة الإلهيّة ومحبتي أنا كلَّ الناس رجالاً ونساء.

الأبواب

مباشرة قبل دستور الإيمان يقول الكاهن هذه الكلمات: (الأبواب! الأبواب! بحكمة لنصغِ !). ماذا تعني هذه العبارة ؟

في القرون الأولى للمسيحية لم يكن يسمح للموعوظين ولا للخاطئين الذين يخضعون لفترة ندامة يعلنون بعدها توبتهم أمام الجماعة المؤمنة، لم يكن يُسمح لهؤلاء الموعوظين والتائبين بالاشتراك في القسم الثاني من القداس الإلهي، أي في الذبيحة الإلهية بحد نفسها. ففي هذا القسم من الخدمة الإلهية كان يُطلب إليهم أن يخرجوا. حينئذ تُغلق أبواب الكنيسة، في حين يبقى، داخلاً، المؤمنون الذين يتوافق وضعهم الشخصي مع قانون الكنيسة المحلية.

اليوم لا تُغلق، في الواقع، أبواب الكنيسة، إذ يُسمح للموعوظين والخاطئين وحتى لغير المؤمنين أن يحضروا القداس الإلهي بكامله، فهل يعني هذا أن إعلان إغلاق الأبواب قد أُفرغ من معناه ؟ طبعاً لا. ففي قلب كل منا باب غير منظور يجب إغلاقه، إن لم يكن ماديّاً فروحيّاً، عند إقامة الأسرار المقدّسة. يجب، في هذا الوقت، أن نطرح عنا كل شرود في الذهن، كل الاهتمامات، كل الأفكار وكل الرغبات المضادّة لله والغريبة عنه.

وبالعكس من ذلك، ثمة أبواب يجب، وبطرية غير منظورة أيضاً، أن نفتحها في قلبنا. (لنصغِ!) يقول نصّ القداس الإلهي. فلنصر إذاً منفتحين على الكلمات والإلهامات التي تأتي من الله ومصغين إليها. فالسيّد يوجِّه لكل منّا العبارة التي قالها على أصمّ أبكم: (إِفَّتِحْ!) (أي انفتح) (مرقس 34:7).

تحت نفخة الروح القدس

هنا يتلو القارئ أو جماعة المؤمنين دستور الإيمان، فيما الكاهن يرفع الستر عن الخبز والخمر ويديره فوقهما في حركة رفرفة.

هذا الطقس الذي يبدو غريباً للوهلة الأولى يرتبط، أصلاً، بأسباب مادّية، شأنه في ذلك شأن طقوس كثيرة غيره. ذلك أنه كان ينبغي، في البلاد الحارّة، إبعاد الذباب عن القرابين المقدّسة. وقد أعطيت هذه الحركة فيما بعد معنى روحيّاً عميقاً، فاعتُبرت رفرفة الستر فوق الخبز والخمر رمزاً لنفخة الروح القدس وللريح الذي ملأ المنزل عند هبوبه في العنصرة. نحن الآن نعلن دستور إيماننا، لذلك لا نستطيع الاعتراف بالإيمان المسيحي كما يجب ما لم يحلَّ علينا، في هذا الوقت، الروح القدس. وقد نتلو جيّداً وبشكل صحيح عبارات إيماننا، ولكن ما لم نستلهم الروح القدس يبقى طقسنا ميتاً عقيماً. فليأت إذاً الروح القدس وليحرِّك فينا الكلمات ويُحيها!.

أتؤمن بهذا؟

يتلى الآن، إذاً، دستور الإيمان كما وضعه مجمعا نيقية والقسطنطينية (2).

يبتدئ دستور الإيمان بكلمة (أؤمن) (3). ماذا يعني أن أؤمن ؟ ليس المقصود هنا موافقة محض ذهنيّة على بعض العقائد. المقصود هو فعل الإيمان الحقيق الحاصل بتأثير النعمة الإلهية، والمستند إلى حقائق معلنة لا يستطيع العقل البشري، وحده، إدراكها، فعل الإيمان الذي نعبِّر عنه، حميميّاً، في ثقة وطاعة مطلقتين. قد تكون لنا معتقدات صحيحة من غير أن يكون لنا، مع ذلك، هذا الموقف الداخلي، موقف الإيمان الذي يخلِّص.

بماذا نؤمن ؟ إننا نردّد (بنود الإيمان) والكلمات القديمة التي من القرن الرابع. ويمكننا أيضاً، إلى الآن، أن نعود إلى تلك الينابيع القديمة لنغرف منها قوى جديدة. ولكن ينبغي في إيماننا أن يكون في كل بنوده حركة للروح واندفاعاً إلى الله ودعوة، لا أن يكون مجرَّد قائمة جافة من (المبادئ) المبهمة.

نؤمن بالله الخالق، ونعبد مقاصده بالنسبة للكون المخلوق ولكلّ عناصر هذا الكون وللتجديد العتيد أن يصير، في المسيح، لعالم استبعدته الخطيئة. ولسنا ننسب إلى إلهنا أيّاً من الشرور التي يحاربها معنا، هذه الشرور التي تسبب بها ثورة قوى الظلمة.

نؤمن بيسوع المسيح الابن الوحيد والأزلي للآب، والذي هو من طبيعته. في المسيح وبه نريد أن نصير أبناء للآب بالتبني. نريد أن نعبد يسوع المسيح ونحبَّه ليس فقط في طبيعته الإلهية ولكن، أيضاً، في الطبيعة الإنسانية التي اتخذها من الروح القدس ومن مريم العذراء. نريد أن نصبح مشاركي الخلاص الذي تمّ على الصليب، ومشاركي قيامة ربنا ومخلِّصنا يسوع وصعوده. وبحرارة نصبو إلى مجيئه الثاني وإلى ملكوته.

نؤمن بالروح القدس الرب المحيي، المنبثق من الآب. نريد أن نسعى إلى النور في الإعلان الإلهي المكتوب والشفهي، الإعلان الذي أوحى به الروح القدس، ونريد أن نسعى إلى النور في عمل الروح القدس الحاضر دائماً فيما بيننا.

نؤمن بالكنيسة الجامعة المتحدّرة من الرسل القديسين، ونتحد بكل أعضائها المنظورين وغير المنظورين، وبكل النفوس الطيّبة التي، وإن لم تعرف أن تسمّي المسيح، تطلب إليه ضمناً ومنه تأخذ كلّ ما فيها من حق وخير وجمال عمّده يسوع سرّياً

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com