عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

الصليب في حياتنا_ الحلقة الثالثة

*      الصليب في حياتنا

             الحلقة  الثالثة

عظة

  1- نظرة أولى إلى العذاب يوجد أنواع كثيرة يتألم منها الإنسان. ففي نفسه وقلبه وجسده تتراكم المحن والآلام، حتى ليصرخ كيسوع في ساعة نزاعه: "يا أبتِ نجِّني من هذه الساعة." (يو 12/27). ما أمرَّه وجع القلب، وما أضناه ألم النفس. ما أكثر المتألمين في هذا العالم: المرضى، الحزانى، البائسون، القلقون، المرهقون، المشرّدون، المضطهدون... إن أنَّاتهم تتعالى فوق السحاب، وزفراتهم تشقّ عنان السماء؛ وفي كل يومٍ تُسكب دموع وتُسفك دماء من الجموع المعذبة. وراح الناس يتساءلون عن سرّ العذاب، فتعدّدت الحلول واختلفت المذاهب وتضاربت الآراء. قالت الرواقية: أفضل حلّ للعذاب هو الاستخفاف به والتسامي عليه. وقالت المانوية: إن ثمّة إلهين قديرين، أحدهما يكتب الخير والآخر الشرّ والألم. وقالت الجبرية: إن ثمّة قدرة غاشمة تُدعى القَدَر تسيِّر الإنسان رغماً عنه. وقال المؤمنون بالله: أيليق بالإله الخالق الكامل أن يترك خليقته تتعذّب. ثم جاء أيوب فطرح مشكلة الألم بملحمةٍ شعرية لا أسمى ولا أرقّ. وهكذا يبين أن الألم سرّ رهيب لا يمكن شرحه ولا فهمه. فقط يمكن فهم أبعاده ومعناه الحقيقي. سرّ بعيد الغَور، وصعب الإدراك، ومرهق للإنسان.   2- معنى العذاب نشعر بكرهٍ للعذاب، ويأبى فكرنا قبوله كبذرة خير. وتجاه الألم لا يفيد كثيراً قراءة المحاضرات وإنشاد القصائد، ومراجعة الأدب الرفيع. فهي لم تبعث يوماً الفرح في قلب إنسان متعذب. في الإيمان بفائدة العذاب فقط يكمن سرّ الاحتمال والصبر. ولكي يستفيد الإنسان من العذاب لا بدّ أن يقف تجاهه موقفاً إيجابياً بعيداً عن التباكي (Dolorisme) وعن المصادمة (Stoicisme). قال الكردينال مرسيه: Per Crucen ad Lumen : "الصليب هو الطريق إلى النور." وفي الحقيقة، الإنسان البعيد عن الله وعن الإنسان لا يفهم معنى العذاب. لذلك يقف موقف رافضٍ وثائر عليه. قال أناتول فرانس في كتابه: (Jardin d’Epicule) "في عالم انطفأ فيه كل إشعاع إيماني يفقد الشرّ والعذاب كل معنى لهمَا؛ ولا يظهران آنئذٍ إلا بمظاهر تستدعي السخرية وتشير إلى قوة كامنة وشريرة." لكن رغم كل المواقف الرافضة التي يقفها الإنسان تجاه الألم، يبقى الألم: "مخبراً عن وجود الله بشكل محسوس؛ زرعاً قاسياً يبذره الله في نفس الإنسان؛ لمسةً تفجِّر ربما التوبة والقداسة؛ نوراً يجعل الإنسان يرى قريبه بعيون جديدة؛ ومدرسةً يصقل فيها الإنسان عقله، ويصوغ قلبه قلباً حكيماً؛ وهو يجعل الإنسان أخيراً إنساناً فاديا." (عن أيام إبن الإنسان)   3- وقفة الإنسان أمام العذاب ان مشكلة الألم كانت ولا تزال أعظم المشاكل الاجتماعية. وهي العقبة الكأداء التي حاول الفلاسفة والعلماء حلّها وتخطِّيها. وكان الألم في جميع حقبات التاريخ موضوع جدل حامي الوطيس. وعبثاً حاول الحكماء والفلاسفة أن يجدوا للعذاب حلاً مقنعاً فلم يفلحوا. حلموا بآراء، وخططوا لمذاهب، وأشعلوا ثورات هنا وهناك من بقاع الأرض الواسعة فلم يوفقوا. خلقوا المدن الفاضلة حيث لا تعب ولا وجع؛ إنما كانت هذه المدن أضغاث أحلام يستحيل أن تُبنى على أرضنا هذه. وتمضي الأيام فالآراء كلها تبخرت، والمذاهب طُمست ودرست، والثورات هدأت، ونير الألم الثقيل لا يزال يرهق كاهل الإنسان ويلازمه من يوم مولده إلى يوم يغيب في القبر. إن التعاسة لا تزال تعايش الإنسان، والعوز يرافقه، والحاجة تضايقه، والمرض يماشيه، والألم يجابهه ما دام على الأرض. وفي نظر الفلسفة البشرية اعتبر الألم حادثاً حسيّاً غامضاً لا يمكن شرحه. هو سرّ خفي على عقول البشر. ونسأل هل الألم ذاته هو شرّ؟

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com