عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

ينَ كان يسوع المسيح بين سن الـ 12 ـ 30 ؟ Where was Jesus Christ Between 12-30? للأب الدكتور انطوان يعقوب

أينَ كان يسوع المسيح
بين سن الـ 12 ـ 30 ؟
Where was Jesus Christ
Between 12-30?
للأب الدكتور انطوان يعقوب
زعمَ البعض، وزعمهم مبني على جهلٍ وخطأ، أن السيد المسيح فيما بين هذين العُمرين (12 ـ 30) إرتحلَ إلى البلادِ الشرقية لِيتلقى فيها العلم والحكمة؟ بل ويُحددون ذهابه إلى بلادِ الهند.
قطعاً هذا الكلام لا تُؤيده الأحداث التاريخية، ولا الشواهد الإنجيلية، وعليه فنحن نجزم بِأن فادينا لم يُغادر فلسطين قط ، بل وإلى يومِ صلبه ، وقِيامته، وصعوده إلى السماء، وإنما ظلَ في مدينةِ الناصرة التي نشأ فيها (لو4: 16).وعاشَ مع والدته العذراء مريم وخطيبها يوسف النجار (متى2: 23) بعد عودتهم من مصر.
ونحنُ إذا عُدنا إلى بِشارةِ مُعلمنا "لوقا" نجده يُرتب الأحداث على الوجه التالي: وُلِدَ يسوع في بيتِ لحم وهُناك جاءَ الرُعاة وقدموا للمولود هداياهم.وفي اليوم الثامن خُتنَ الطفل يسوع وفقاً للشريعة، وبعد اربعين يوماً صعدت به العائلة المُقدسة إلى اورشليم وقُدمت الذبائح المفروضة على الطفل البكر، ثُم عادت العائلة المُقدسة إلى بيتِ لحم وأقامت في أحد البيوت، ومنه هربتْ إلى مصر من وجه "هيرودس" الكبير ، ونحنُ لانعرف على وجهِ التحقيق كم سنة بقيت العائلة المُقدسة في مصر ، فقيل انها سنتان ، وقيل بل خمس سنوات ونحنُ لا نملُك أي أسانيد تاريخية تقطع قطعاً أكيداً في المُدة التي عاشتها العائلة المُقدسة في مصر. لكن على أي حال، ما أن عرفت العائلة المُقدسة بموت هيرودس حتى عادت إلى اليهوديةِ ولكنها بسبب تملُك"أرخيلاوس" فضلتْ أن تُقيمَ في الجليل في مدينة الناصرة حيث كان يوسف يعمل نجاراً.
العودة إلى الناصرة
قُلنا أن العائلةَ المُقدسة عادتْ إلى الناصرةِ ، المدينة الصغيرة الهادئة ، التي ارادَ الله لهذه الأُسرة أن تعيشَ فيها، فينمو الطفل يسوع نموه الطبيعي بين سُكان هذه المدينة حتى يبلغ سن الثلاثين.وكان يُوسف يعمل نجاراً.فشعرّت الأُسرة بالفرح والإستقرار.وعادَ يُوسف إلى مهنة النجارة ، حتى يُوفر لأُسرته إحتياجاتها، ويرُد عنها المصائب.وبِمُناسبة عودة العائلة إلى مدينتهم ، جاءَ الأقارب والأهل والأصحاب مُهنئين يُوسف بعودته، ومُهنئين الأُم أيضاً بمولوها.
وبدون شك فَإن يسوع الطفل عاشَ شأنه شأن أطفال عمره في بيته الأبوي ، فغمرته أُمه بالحنان والعطف ، وإهتمَ يُوسف بحاجاته اليومية. وفي القرية ، لعبَ مع أطفال الحي أو المنطقة التي كان يسكن فيها . ونحنُ نُرجحُ أنه كشأن باقي الأطفال اليهود قد التحقَ بمدرسة المجمع في القرية (الضيعة) أوالمدينة المُقيم فيها في سنِ الخامسة ، وتعلمَ على يدِ أساتذة زمانه وحفظَ الكتب،وواصلَ تعليمه حتى بلغَ سن الثانية عشرة، وعندئذ أُعتبرَ إبناً للشريعة، وبدأ يُنفذ وصايا الشريعة، فكان عليه أن يُقيم الصلوات، ويُمارس الأصوام، ويُقدم الذبائح ، فقامَ بها على أكمل وجه.
فهو والحال هكذا لم يعش مُختفياً ، بعيداً عن الناس ، بالعكس فقد عاشَ حياته الطبيعية ، إندمجَ مع سُكان المدينة، وأمضى مُعظم أوقاته مع الأقارب يجول بينهم ، ويأكل معهم ، ويسهر سهراتهم.
ونعتقدُ أيضاً أنه إمتهنَ مهنة النجارة مُساعداً ليُوسف البار الذي كان وقتذاك مُتقدماً في العُمر.وقد كان أمراً طبيعياً وفرضاً من الفروض المُتوارثة في المُجتمع اليهودي أن كل صبي يهودي عليه أن يتعلمَ مهنة أو حرفة يستطيع أن يعتمدَ عليها مهما كان غنياً.وكان المثل المُردد وقتذاك "من لم يُعلم إبنه حرفة فقد ورثه الفقر". فحتى لو كان الصبي من أُسرة غنية ، ولها مركزها الإجتماعي المرموق ، فكان على الأب أن يُعلمَ إبنه مهنته أو حرفته التي تعلمها هو في صغرهِ ، أو أي حرفةٍ أُخرى يميل اليها الصبي.وبذلك يقي نفسه وأُسرته فيما بعد من الفقر ، إذا ما ضاقتْ به سُبل العيش.وهذا ما فعله السيد المسيح.ولذلك نسمع اليهود كانوا كُلما سمعوه يتكلم ، أو يصنع مُعجزة خارقة للطبيعة يقولون "اليس هذا هو إبن النجار؟" أو "هذا هو النجار إبن مريم" (مر6: 3ومتى13: 55). فتارة يُوصف بالنجار ، وأُخرى بِإبن النجار، وكلاهُما يصف السيد المسيح بِأنه إمتهن مهنة يُوسف حسب العوائد السائدة في ذاك الوقت بين اليهود.وليس هُناك أي تعارض بين التعبيرين، لأن النجار وإبن النجار يعنيان وصفاً واحداً للمسيح المُمتهن لهذه المهنة.
وكان للعذراء مريم الفضل الأول في نشأة إبنها الإلهي، فقامت على تربيته، وتعليمه، وتثقيفه، وتأديبه ، حتى أصبحَ صورة للأُم المُربيَة خَلقاً وخُلقاً ، حتى عُرِفَ بين أهله ووطنه بإسم "إبن مريم".فأحبَ الناس وأحبوه ، لصفاته الحميدة، ولسمو أخلاقه.فَكان مُتواضعاً ، مُهذبا، مُثقفاً عايش الناس ، وأحسّ بمشاعرهم.
إذن فقد عاشَ يسوع حياته الأُولى كما يعيش كل طفل في سنين حياته الأُولى.وهكذا قال الإنجيل "إنه ـ أي يسوع ـ كان ينمو في الحكمة والقامة والنعمة أمام الله والناس"..
وسكتَ الكتاب المُقدس تماماً طوال هذه الفترة عن ذكرِ أي شيء عن الطفل يسوع ،حتى رأيناه فجأة وقد بلغَ من العُمرِ 12 سنة في أحد المجامع يُناقش رجال الدين في أخصِ وأدق الأمور الدينية.
عندما بلغَ يسوع الثانية عشرة من عُمرهِ (12 سنة) صعدتْ العائلة المُقدسة إلى أورشليم أيام عيد الفصح، وكان يسوع قد بلغَ سن التكريس كإبن للشريعة. وبعد أن قامتْ بالزيارة عادتْ في مجموعات من الناس في شبه قوافل ، فَعادَ يُوسف مع كثيرين ممن عادوا ، وسارتْ مريم مع بعض النساء.وكان يُوسف يعتقد أن يسوع مع أمه ، كما أعتقدتْ مريم أن يسوعَ مع يُوسف، وهكذا سارا طوال اليوم مع الناس .وفي المساء إجتمعتْ كل عائلة بأفرادها ففتشتْ مريم عن يسوع فلم تجده، وفتشَ يُوسف عنه في كل مكان فلم يجده بدوره .سألا الناس والأصحاب فكانت الإجابة انهم لم يروه. وظلت مريم ويُوسف يبحثان ، ويبكيان عليه.وما أن جاءَ الصباح حتى عادت مريم ويوسف إلى المدينة يبحثان عنه.بحثا في الملاعب والساحات، والسوق ، والحدائق المعروفة ، وأخيراً ذهبا إلى الهيكّل فوجداه في غُرفةِ المدرسة العُليا حيث يجلس عُلماء وفُقهاء اليهود. وكانت تُعقد فيها حلقات تعليمية يقصدها الناس للإستماع والمُناقشة والتعليم، في مواضيع مُختلفة تتعلق بالشريعة وتطبيقها.ولاشك فقد أظهرَ يسوع يومئذٍ من الذكاءِ ما أدهشَ الحاضرين من العُلماءِ.ورُبما وقعت بينهم وبين يسوع مُجادلات أدت إلى تعقبهم له عندما خرجَ ينشر الرسالة الإلهية ، وصمموا يومذاك على ضرورةِ التخلص منه.وأسرعتْ الأُم وأخذت طفلها في حُضنها وذرفت الدمع عليه وقالتْ له مُعاتبة "يابني لماذا فعلتْ بنا هكذا هُوذا أبوك وأنا كُنا نطلُبكَ مُعذبين". وهُنا يُجيبها الإبن الإلهي بكل هدوء وأدب قائلاً:"لماذا كُنتُما تطلبانني ألم تعلما إنه ينبغي أن أكونَ في ما لأبي ".ولم تفهم الأُم المسكينة كلمات إبنها بينما كان فُقهاء اليهود ينظرون اليه بكل إحترام وإجلال.إنه وقفَ بينهم يسألهم ويُناقشهم.نحنُ لانعرف ماذا سألهم ، ولكني أتخيل هُنا نوعية هذه الأسئلة عن " المسيح والذبيحة ، ورب داود وعما جاءَ في المزامير. وأتخيل حيرة عُلماء اليهود ودهشتهم من أسئلة هذا الصبي الصغير.وأخذت مريم ويوسف يسوع وعادا إلى الناصرة أيضاً. عادَ يسوع معهما طائعاً لأمرهما. ولم تُفارق مريم إبنها منذ تلك الساعة حتى عُلِقَ على خشبةِ الصليب ، وشهدت قيامته وصعوده ، حتى أصعدها بجسدها الطاهر لتجلس معه.
وهكذا نرى أن الطفل يسوع عاشَ طوال فترة طفولته في الناصرة ، وعادَ اليها بعد زيارته لأُورشليم لِيُواصل حياته الإعتيادية. فعادَ إلى مدرستهِ مع رفاقِ الحي. وفي المساء يذهب إلى دكانِ النجارة لِيُساعد يُوسف . ويُخبرنا التقليد أنه صنعَ الكثير من القطعِ التي بيعت للناسِ وأُستعملّت في البيوت. بل أنه كان يذهب مع الرفاقِ للعمل في الحقول وقت الحصاد. ونحنُ نرى مدى تأثير حياة الفلاح في أمثالهِ الشعبية التي إستخلّصها من أعماقِ الحياة، إستخلّصها من منظرِ الفلاح والعامل ، فنسمعه يسوق أمثاله من الحقلِ والعمل .فهُناك مثل الزارع والعمال العاطلين ، والعبد الكسلان، والسيّد الكريم، و مالِ الحقّ ومال الظُلم ، و الأغنياء القُساة والعُمال الأشرار ، و الحصاد والحصادين ، و الراعي والأجير ، الراعي الصالح ، الخادم والمخدوم..كلّها أمثال إستخدّمها السيّد المسيح في تعاليمهِ من صميمِ الحياة حفلّتْ بها ذاكرته فراوها عن خبرة . هذا هو يسوع الإنسان الطفل ، والتلميذ ، والصديق والعامل ، والفلاح إبن الناصرة. لم يعش حياة الترف واللامُبلاة ، إنما عملَ بكد ، وإجتهاد حتى يعيش وأُمه ، وإستمرَ يعمل ثلاثين سنة قبلَ أن يخرجَ مُعلّماً ، ومُبّشراً، ومُصلحاً إجتماعياً ، وطبيباً شافياً للمُحتاجين والمُؤمنين. هذه هي حياة السيّد المسيح في سنينِ عُمره التي عاشها بين أقاربه وأهل بلدته ، حتى خرجَ لِيُتمم رسالته التي من أجلها تجسّد.
أما أولئك الذين زعموا بِأنه تركَ فلسطين وذهبَ إلى الدول الشرقية القديمة ليتلقن فيها العلوم .فهو زعم خاطئ، وغير صحيح. إذ لا نجد في أسفارِ العهد الجديد كلها ، ولا في التقليد المسيحي المُتواتر ، ولا في أي مصدر مسيحي أو غير مسيحي من القرونِ الأُولى للميلاد ،أي إشارة تُشير إلى أن يسوعَ غادرَ بلدته الناصرة إلى بلدٍ قريب أو بعيد ، سواء كان التغيب لقليل أو كثير من الزمنِ بين سنه الثانية عشرة وخروجه في سنه الثلاثين. فقولهم إذن مُغرض ، الغرض منه ضرب المسيح والمسيحية. ودليلنا على ذلك هو:
أولاً: لاتوجد أدنى إشارة لا في الكتابِ المُقدّس ، ولا في كتُب ِاليهود ولا حتى في كتبِ الهنود، ولم يشر اليها أي مُؤرخ مُدقِق أهتمَ بِأمر السيّد المسيح، بأنه تركَ الناصرة خاصة وفلسطين عامة، ولو صحَ لإفتضحَ الأمر المُؤرخون الوثنيون واليهود أمثال "يوسيفيوس" اليهودي ، و"تاكيتوس" الوثني.
ثانياً: يُشير الكتاب المُقدّس إلى أن السيّد المسيح بقى مُقيماً في فلسطين، وقد التزمَ بِإقامته فيها.فقالَ:" ما أُرسلتْ إلاَّ إلى الخرافِ الضالة من بيتِ إسرائيل"(متى15: 24).ونراهُ لا يسمح لتلاميذه بالدخولِ في المُدنِ السامرية، مع أن السامريين كانوا يسكنون على مقربةٍ من اليهود، وكانت السامرة قريبة من أُورشليم واليهودية.فاسمعه يقول لتلاميذه:" إلى طريقِ الوثنيين لا تتجهوا ، وفي مدينة للسامريين لا تدخلوا،بل إذهبوا بالحرى إلى خرافِ بيت إسرائيل الضالة"(متى10: 5 ـ6).
ثالثاً: كما يبدو لنا جلياً من قصةِ "إيجر" ، ملك الرها، وهي أُوديسا على البحر الأسود، وكان يُلقب بملك الأُسود.وكان هذا الملك قد أرسلَ رسولاً إلى السيدِ المسيح ، وطلبَ منه الذهاب إلى الرها، واعداً إياه بحمايته ، والدفاع عنه ضد اليهود الذين كانوا يُطالبون بقتله.وأفهمه بِأن الرها مدينة هادئة يحسن المعيشة فيها، وانه بِذهابه اليها سيصنع خيراً بملك الرها ، ويشفي مرضه المُزمن.وفي هذه المدينة يُمكنه أن ينشرَ دعوته على أساس أن هذه الأرض مُستعدة لتقبل الدعوة والرسالة الإلهية.غير أن السيدَ المسيح رفضَ الذهاب ، وفضلَ البقاء فيها من الهربِ إلى الرهاوالعيش هُناك.وقال لرسول الملك انه سيبقى في فلسطين إلى أن تتمَ رسالته، وبعد صعوده إلى السماء سيُرسل أحد تلاميذه إلى ملك الرها فيشفيه من مرضهِ العضال، ويُهدي الشعب إلى الإيمان المسيحي.(انظر تاريخ الكنيسة ليوسابيوس القيصري ج1 فصل13).
رابعاً: لم يشر كتبة البشائر على الأطلاق لا تلميحاً ولا صراحة بِمُغادرة السيد المسيح أرض فلسطين، ولوحدثَ لما اخفوا هذا العمل ، ولاعتبروه جُزءً من رسالته.فَإننا نجدهم عند مجيئه إلى مصر في طفولته مع أُمه والقديس يُوسف ، وكان عُمره وقتذاك سنة واحدة. وردت هذه القصة في البشائرالثلاثة (راجع متى2: 13 ـ15).فلو كان المسيح قد غادر فلسطين لأي سبب من الأسباب بعد ذلك لكان التلاميذ أول من عرفوا بالأمر ، ولذكروه في بشائرهم ، وخصوصاً أنهم وقفوا على حياتهِ وطفولته.ولكن شيئاً من هذا لم يحدث.
خامساً: وحتى القديس "لوقا" وقد تتبعَ الأحداث بِكل دقة من الذين عاصروا الأحداث ، وذكرَ كل شيء بكل دقة وأمانة، فهو طبيب مُدقِق في أبحاثهِ وقالَ في مطلعِ بشارته:" أروي قصة المسيح كما تسلمناها من أولئك الذين رأوا بِأعينهم وكانوا خداماً للكلمة ورأيت أنا أيضاً إذ قد تتبعت كل شيء منذ البداية بتدقيق(1: 1 ـ4) فلو عرفَ القديس لوقا من تلك المزاعم لما أخفاها عن المؤمنين في بشارته.ولكن شيئاً من ذلك لم يحدث.
سادساً: ثُم هل كان السيد المسيح في حاجةٍ إلى الذهابِ إلى أي بلدٍ ليتلقن فيها العلوم والحكمة ، وقد بهرَ عُلماء الناموس بتعاليمه يوم كان عُمره 12 سنة؟ (لو2: 6ـ 46 ـ 47).
سابعاً: يذكر القديس "لوقا" في بشارته بعد أن روى عن مُجالسة المسيح في حلقة التعليم يسألونه ويُجيبونه ، وكانوا عُلماء الشريعة وكان عمره وقتذاك 12 سنة ، وجاءَ بعد ذلك إلى الناصرة ، حيث نشأ ، وذهبَ إلى المجمع كعادته في يومِ السبت ، وقامَ ليقرأ (لو4: 16).وهذه بينة وشاهدة من الإنجيل نفسه ، بل من كاتبِ الإنجيل الذي تتبعَ كل شيء منذ البداية بتدقيق، وكتبَ قصة السيد المسيح من مصادرها الأصلية ، كما تسلمناها من أولئك الذين رآوه بأعينهم وكانوا خُداماً للكلمة (لو1: 1ـ 4).على أن السيد المسيح قد ترعرع في الناصرة ،ولو كان قد غادرها لذكر لنا ذلك القديس لوقا.لأن عمل التربية لا ينتهي عند هذا السن الـ12 ، بل يمتد إلى الـ30 حسب الإعتقاد السائد وقتذاك،ومازال حتى يومنا هذا في بعض البلاد يقولون أن الطفلَ يظل ولداً حتى يبلغ سن الـ30من عُمرهِ ، وهو سن إكتمال الرجولة ، كما يُقرر ذلك عُلماء النفس.ثُم أن القديس لوقا يُقرر أن السيد المسيح ذهبَ إلى المجمعِ يوم السبت ليقرأ ، ولا يُمكن أن يقولَ القديس لوقا كعادته لولا أن السيد المسيح كان يذهب قبل إكتماله الثلاثين كل يوم سبت إلى المجمع.ولايجوز أن تُقالَ عادة لو لم يكن فيها تكرار ، وهذا ما يُؤيد كلامنا من السيد المسيح لم يُغادر بلدته في هذه الفترة ما بين الثانية عشرة والثلاثين.أما بعد ذلك فكان يجول من قريةٍ إلى أُخرى ،ومن بلدٍ إلى آخر مُبشراً.(أنطرمثلا:متى9: 35و4: 23ومر1: 21و29و 6: 6ولو4: 15و44و13: 22).
ثامناً: عرفَ اليهود سيرَّة السيد المسيح بكل خطواتها ، وتفاصيلها، لأنهم كانوا مُهتمين بها ، وخصوصاً أهل الجليل ، والناصرة.ومع أنهم حاربوه تماماً ، واتهموه بمُحالفته مع الشيطان، واضطهدوا تلاميذه.ومع ذلك نحن لانرى أحدا منهم يُنسب اليه مُغادرته لبلدته خلال هذه الفترة من 12 /30 ، ولو عرفوا عنه ذلك لعيروه ، ولذكروا ذلك في أحاديثهم عنه وعليه. وما كان أمر الإطلاع على تغيبه بعسير عليهم ، وهُم أهل الدهاء والمكر ، فضلاً عما لهم من العيونِ والجواسيس في جميع أنحاء فلسطين، وفضلاً عن علاقتهم الوثيقة بيهود الشتات في جميع أنحاء العالم وقتذاك.ونحنُ نرى أهل الناصرة عندما رأوه يُعلم في المجمع قالوا:"أليسَ هذا هو إبن النجار؟ اليست أُمه تُدعى مريم وإخوته يعقوب ويُوسي وسمعان ويهوذا ؟أوليست أخواته جميعهُن عندنا؟(متى12: 54ـ 55).وقالوا أيضاً:" اليس هذا هو يسوع بن يوسف الذي نحنُ نعرف أبيه وأُمه؟فكيف يقول الآن إني نزلت من السماء"(يو6: 42).وهُنا نعرف أن يسوعَ وأُمه وأباه كانوا ولاشك معروفين لدى أهل المدينة، وكانوا يرونه كل يوم في محلِ نجارته.ولهذا قالوا :اليس هو إبن النجار أو النجار نفسه؟ فكيف إذن لو عرفوا عنه أنه ذهبَ أو سافرَ عن بلدتهم ؟ألم تُؤيدني في قولي لو قُلت أنهم كانوا سينشرون الخبر ، ويدعون عليه الدعوات ، إنه ذهبَ وتعلّمَ وجاءَ يُبشرنا بعلوم الآخرين؟ولو صحَ ذلك لَحَكمَ عليه اليهود وفقاً لناموسهم بالموت الفوري.
تاسعاً: والعجيب نحنُ لانقرأ في أسفارِ العهد الجديد أي شيء عن حكمة بلاد الهند أو غيرها من بلادِ الشرق القديم.لقد ذكرَ السيد المسيح ملكة سبأ التي آتتْ من أقاصي الأرض لتسمع حكمة سُليمان (متى12: 42) ، ولم يذكر شيئاً عن حكمة الهند المزعومة، ولا عن حُكمائها.فالسيد المسيح إقتبسَ الكثير من أقوالِ أنبياء العهد القديم ، فذكرَ إبراهيم وموسى وداود وسليمان وآشعياء وأرميا ودانيال، ولم يذكر أي قول مأثور عند الهنود ، أو لم يشر إلى أحد حُكماء الهند لا من بعيد ولا من قريب.
عاشراً: ولقد أتهمَ اليهود السيد المسيح بِأنه سامري ، به شيطان ، وهذا تحقيراً ، وإهانة كبيرة لشخصه (يو8: 48) .فلو كان اليهود علموا بشيء عن رحيله من فلسطين خلال هذه الفترة لعيروه بها ، وزادوا من إهانته وشتمه. ونحن نعلم بِأن اليهود قوم مُتعصب لجنسهم ولبلادهم ولديانتهم ، ويحتقرون غيرهم من الشعوب ، ويعتبرون أنفسهم شعب الله المُختار.فهل كانوا يقبلون المسيح في بلادهم لو علموا بأنه ناقل اليهم حكمة الهند وأقوالها؟؟.
وصفوة القول ، إن السيد المسيح لم يُغادر فلسطين في الفترة المذكورة ولابعدها . ولكنه عاشَ مع أُمه مريم العذراء ، وإستمرَ يذهب إلى مدرسةِ بلدته ليتلقى فيها علومه الأولية مع باقي تلاميذ بلدته.وظلَ مُحافظاً على الذهابِ إلى المجمعِ كل سبت .ومارسَ مهنة النجارة مع يُوسف ، وإمتهنَ بها خصوصاً بعد موته ، حتى لُقِبَ بالنجار ، أو إبن النجار.وأنه أتقنَ مهنة النجارة وصناعة الأبواب والشبابيك ، ويُقال أن المائدة التي صنعَ عليها العشاء الرباني كانت من صُنعهِ. حتى حان الوقت، وقت نشر الرسالة التي آتى إلى العالم من أجلها، فخرجَ إلى الأردن ، وكان عُمره نحو الثلاثين..فنالَ المعمودية من يوحنا المعمدان... وبدأ رسالته الإلهية الإعجازية ...فملء الأرض بمُعجزاته وبتعاليمه وحكّمه التي بهرّت العالم ومازالت ، تلك لتي المفاهيم الإجتماعية الإصلاحية ، التي غيرّت الحياة السائدة ، وأعادت الخليقة لخالقها ، وصالحت السماء مع الأرض ... إنه رّب الج.د الذي له السُبح والجاد إلى الآبد...

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com