الأحد الثاني بعد القيامة ، مشهد الصيد العجائبي . وفيه قيامة الرسل من
اليأس والشتات . نسمع بولس الرسول في رسالته إلى أهل روميه يقول : (إحسبوا
أنفسكم أمواتا" عن الخطيئة ولكن أحياء لله بالمسيح يسوع ربنا
) . ونحن نثق بأن الله حاضر ، وبأنه ناظر إلى ترددنا وشكنا ،وفشلنا ، وبأنه
يقيمنا كل يوم ويقوينا .(أنت بطرس وعلى هذه
الصخرة سأبني كنيستي ، وأبواب الجحيم لن تقوى عليها ) .
قال يوحنا الرسول في إنجيله المقدس :
(بعد هذا أظهر أيضا"يسوع نفسه للتلاميذ على بحر طبرية . ظهر هكذا .
كان سمعان بطرس وتوما الذي يقال له التوأم ونتنائيل الذي من قانا الجليل وابنا
زبدي واثنان آخران من تلاميذه مع بعضهم . قال لهم سمعان بطرس أنا أذهب لأتصيد .
قالوا له نذهب نحن أيضاً معك . فخرجوا ودخلوا السفينة للوقت وفي تلك الليلة لم
يمسكوا شيئاً .ولما كان الصبح وقف يسوع على الشاطىء. ولكن التلاميذ لم يكونوا
يعلمون أنه يسوع . فقال لهم يسوع يا غلمان ألعل عندكم إداما. أجابوه لا . فقال
لهم ألقوا الشبكة إلى جانب السفينة الأيمن فتجدوا . فألقوا ولم يعودوا يقدرون أن
يجذبوها من كثرة السمك . فقال ذلك التلميذ الذي كان يسوع يحبه لبطرس هو الرب .
فلما سمع سمعان بطرس أنه الرب اتزر بثوبه لأنه كان عرياناً وألقى نفسه في البحر
. وأما التلاميذ اللآخرون فجاءوا بالسفينة لأنهم لم يكونوا بعيدين عن الأرض إلا
نحو مئتي ذراع وهم يجرون شبكة السمك . فلما خرجوا إلى الأرض نظروا جمراً موضوعا
وسمكاً عليه وخبزاً . قال لهم يسوع قدموا من السمك الذي امسكتم الآن . فصعد
سمعان بطرس وجذب الشبكة إلى الأرض ممتلئة سمكاً كبيراً مئة وثلاثاً وخمسين . ومع
هذه الكثرة لم تتخزق الشبكة . قال لهم يسوع هلموا تغدوا . ولم يجسر أحد من
التلاميذ أن يسأله من أنت إذ كانوا يعلمون أنه الرب . ثم جاء يسوع وأخذ الخبز وأعطاهم
وكذلك السمك . هذه مرة ثالثة ظهر يسوع لتلاميذه بعدما قام من الأموات ) . (21: 1 _14 ) .
يذكر يوحنا ظهورات يسوع في اليهودية والجليل . وعودة
التلاميذ إلى نشاطهم السابق كصيادي سمك . وإلى التشتت الذي سبق موت يسوع والذي
أنبأ به يسوع .(يو 16 : 32 ، تتفرقون ، فيذهب كل واحد في سبيله ). فعاد كل
واحد إلى مهنته مارسها قبل أن يلتقي يسوع . ولكن فشل الصيد يرمز إلى الخيبةوزوال
الوهم ، على عقم عملهم في غياب يسوع .لم يعرف التلاميذ يسوع القائم من الموت . عدم المعرفة
هذا يشّدد على أن القيامة حولت ظاهر يسوع . ولابد من علامة تفتح عينا التلميذ
الحبيب . فيسوع يحتفظ بذات السلطان والفاعلية على التلاميذ .
بعد الصيد العجيب الذي دعاهم إليه (شخص مجهول ) يقف على الشاطىء ، هو
الرب . نرى التلميذ الحبيب لا يقوم بأي عمل من ذاته ، بل يترك الأمر لبطرس وكأن
الأحداث المهمة تتعلق به . لم يكتف سمعان بطرس بأن يوافق ، بل ألقى بنفسه في
البحر وهو معجل ليلتقي ربه وحبيبه . احتزم بلباسه لأنه كان عريانا " . يبدو عريُ
الإنسان بعد الخطيئة الأولى ، تعبيراً عن شقائه وضعفه وخجله . فنفهم أن
بطرس لبس ثيابه قبل أن يتجاسر ويقف أمام الرب . إن موقفه هذا يشبه ذلك الذي وقفه
حين صرخ : (ابتعد عني يارب ، لأ ني رجل خاطىء ) ( لو 5 : 8 ). ـ حين وصل
كل التلاميذ إلى الشاطىء ، طلب منهم يسوع أن يأتوا بالسمك الذي أمسكوا . لكن
بطرس وحده نفذ هذا الأمر الغني بالمعنى ، وجر وحده الشبكة المليئة بالسمك ( 153
) سمكة كبيرة ، دون أن تتمزق . أمام هذا المشهد العجائبي نتذكر كلمة يسوع
لبطرس :
(سأجعل منك صياد بشر ) (لو 5 : 8 ) . يجتذب بطرس وحده في شبكة واحدة إلى الشاطىء
مجموعة المختارين ويقودها إلى الله . لكن يسوع يدعو أخصاءه ليتغدوا معه مما هيأه
لهم . ولا يحتاج أحد إلى أن يسأله هل هو الرب ، لأن إيمانهم تحول الآن إلى
معرفة . حينئذ أعطاهم ليأكلوا خبزا" وسمكا " وقدم لهم نفسه كالإله
الأزلي والمخلص المصلوب من أجلهم .فالسمك المشوي هو المسيح المصلوب . عاد بطرس
ورفاقه فارغي اليدين من ليل من العمل الشاق في الصيد وليس لهم سمكة يقدمونها لهذا
( الغريب المجهول ) الذي وقف ذلك الصباح عند الشاطىء . إنهم لايملكون شيئا"
. فإذا الرب يملىء فراغ حياتهم بنعمته وينزع الخوف من قلوبهم ويقيمهم من
اضطرابهم ويجعل منهم صيادي بشر . ولم يعودوا يهابون الموت .
اشارات ورموز إنجيل
الأحد الثاني بعد القيامة
أنا ذاهب إلى الصيد :
يأخذ بطرس القرار بمفرده . والصيد هنا رمز لرسالة التلاميذ . أما عددهم
سبعة يرمز لمجموعة الأمم الوثنية في ذلك العهد ، التي إليها سيتوجه التلاميذ
لإبلاغ رسالة يسوع ( يو 17 :23 –24 ) بعد نكران
بطرس لم يحصل أي لقاء شخصي بينهما . كان يسوع قد أمر الجماعة بالذهاب إلى
الرسالة (يو 15 _ 16 ) . بطرس يبادر والآخرون يتبعونه . ليس لديهم قرار
مشترك ولا استقلالية للفرد .
تلك الليلة : ذكر الليل ، (الظلام ) فيسوع نبههم ألا يعملوا في
الليل ( يو 9 _ 4 ) فالليل يرمز إلىغياب يسوع ، نور العالم . في صيد
التلاميذ أثناء الليل ، ينقص حضور يسوع وعمله . لن يتمكن التلاميذ أن يحققوا في
الليل أعمال الآب .
لم يصطادوا شيئا" : قرار بطرس
الفردي ومرافقة الآخرين له ، الذي دفعهم كي يصطادوا في الليل . لم يأتوا بالثمار (يو 15 : 4 )لأنهم لم يطيعوا يسوع . فعدم الطاعة عدم المحبة لذلك
لم يصطادوا شيئاً .
ولما كان الصباح : طلوع الصباح أي حضور المسيح . حضوره هو النهار الذي
منه يعمل الآب (يو 9 :4 ).شاطىء
البحر هو الفاصل بين البحر ، رمز العالم المتلاطم بالأمواج ،وبين الأرض الصلبة .
هم تتقاذفهم الأمواج والمسيح على الأرض الصلبة .
لم ير التلاميذ يسوع في بادىء الأمر بسبب الليل
الذي خلقوه ، ولم يعرفوا المكان الذي فيه السمك ، أي لم يعرفوا الناس الذين
إليهم سيوجهون الرسالة
ياغلمان ألعل عندكم إداما (طعاما" : طعام يسوع الذي يتكلم عنه هو أن يحقق مخطط الآب في الإنسان (يو 4 : 34 ). لقد فشلوا في ايجاده .أما يسوع لقد أتم العمل ومعه
الآن خبز وسمك سيقدمهما لهم . في غياب يسوع لايتمكن التلاميذ تحقيق مخطط الآب .
التلميذ الحبيب :
عرف التلميذ الرب من وفرة الصيد أي من ثمر الرسالة . هو الذي كان شاهداً
للحياة التي تفجرت من جنب يسوع على الصليب كما أنه آمن بقيامة الرب من جراء
روْيته اللفائف والمنديل .فعرف من وفرة الصيد حضور الرب ، أما بطرس فلم يعرفه .
فالوفرة علامة بحضور يسوع ، القحل غيابه .
كان عرياناً : عري بطرس رمز إلى نقص الثياب الخاصة بالتلميذ . كان
عرياناً لأنه لم يطع المعلم ، فلم يجن ثمراً. فأخذ ثوبه واتزر به كما فعل
الرب قبل غسل الأرجل مبرهنا"عن طواعيته الكاملة للخدمة .
لم تتخزق الشبكة : ترمز الشبكة إلى وحدة الجماعة التي من أجلها صلب
المسيح وهي تماما"كالجنود الذين لم يمزقوا القميص بعد صلب يسوع .
وهذه العلامة ( أن يكونوا كلهم واحدا"
هلموا تغدوا : هذه دعوة يسوع إلى الأفخارستيا إلى الإشتراك بطعامه
. إنه مظهر رائع للحب الذي دفعه لبذل حياته عنهم .لا يظهر يسوع نفسه كرب
عمل ، بل كصديق . في الرسالة ( الصيد ) عرفوه من وفرة الثمر ، والآن عرفوه
من الوليمة .
إعداد: لوسين كردو ـ قنشرين
|