عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E دورات استكمال للمعلمين

يسوع ينبئ بساعة موته وقيامته الأب د. لويس حزبون

 

يسوع ينبئ بساعة موته وقيامته

الأب د. لويس حزبون

2015/03/28

في انجيل الأحد الخامس للصوم يسوع ينبئ بساعة موته وقيامته (يوحنا 12: 20-33). إنها ساعة آلامه وموته لخلاص البشر. ومن هنا تكمن أهمية البحث في وقائع النص الانجيلي وتطبيقاته.

اولا: وقائع النص الانجيلي (يوحنا 12: 20- 33)

20 "وكانَ بَعضُ اليونانِيِّينَ في جُملَةِ الَّذينَ صَعِدوا إِلى أُورَشَليمَ لِلْعِبادَةِ مُدَّةَ العيد": تشير عبارة "بَعضُ اليونانِيِّينَ" الى هؤلاء الناس اليونانيين الجنسية الغرباء عن الامّة اليهودية، لكنهم كانوا من المؤيدين، إن لم يكونوا من الدخلاء، وكانوا يشاركون في عيد الفصح (رسل 10/2). فكانت رغبتهم في عبادة الإله الحقيقي تحلمهم على السعي الى رؤية يسوع واللقاء به ويسمعوه عن قرب (يوحنا 4/21-23). وهذا يدل على ان محبة الله للبشر جميعاً، لا لفئة من الفئات وحسب.

21 "فقَصَدوا إِلى فيلِبُّس، وكانَ مِن بَيتَ صَيدا في الجَليل، فقالوا له مُلتَمِسين: يا سَيِّد، نُريدُ أَن نَرى يسوع": قصدوا الى فيلبس الذي يحمل اسماً يونانيا ولأنه من بيت صيدا الجليل. وهو مكان يسكن فيه كثيرون من اليونانيين. وكانت "بَيتَ صَيدا" تقع في شمال بحيرة طبرية عند مصب نهر الاردن، في شمال بحيرة طبرية في الجولان. اعاد بناءها هيرودس فيلبس فسمّاها يولياس في بدء العصر المسيحي وفيها شفى يسوع اعمى (مرقس 8/22)؛ وهي من احدى مدن بحيرة طبرية الثلاثة التي عنّفها يسوع لأنها لم تؤمن به (متى 11/20-21). اما سؤال اليونانيين إِلى فيلِبُّس: "يا سَيِّد، نُريدُ أَن نَرى يسوع" فهو يشير ان تبشير يسوع يتعدّى حدود فلسطين ليذهب الى اهل الشتات ويبشّرهم.

"22فذَهَبَ فيلِبُّس فأَخبَرَ أَنَدرواس، وذهَبَ أَندَرواس وفيلِبُّس فأَخبَرا يسوع": كما قاد فيلبس نتثائيل، وأندراوس سمعان الى يسوع (يوحنا 1/ 19) هكذا هما يعملان معاً الآن فيقودان اليونانيين الى يسوع.

23 "فأَجابَهما يسوع: أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان": يتوجَّه يسوع الى الجمع ويعلن ان ساعة تمجيده قد أتت. انه يرى في مجي اليونانيين باكورة الحصاد الذي سيحصده بواسطة موته. تشير كلمة "السَّاعَةُ" الى الوقت الذي يدخل يسوع في المجد الذي يُشرك فيه تلاميذه (يوحنا 17/1-5) ذلك المجد الذي حدّده الأب ويكون في نهاية حياة يسوع على الارض (يوحنا 2/4) وهو ايضا وقبل كل شيء ساعة الموت على الصليب (مرقس 14/35-41). إنها ساعة آلامه وموته لخلاص البشر.

24 "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً": إن صورة "البذر الذي يموت" ليُخرج حصاداً صورة مألوفة في إعلان الانجيل (مرقس 4/3-9 ن ومتى 13/ 29-30). وسبق ان طبّقها علماء اليهود والقديس بولس على عقيدة القيامة "ما تَزرَعُه أَنتَ لا يَحْيا إِلاَّ إِذا مات. وما تَزرَعُه هو غَيرُ الجِسْمِ الَّذي سَوفَ يَكون، ولكِنَّه مُجَرَّدُ حبَةٍ مِنَ الحِنطَةِ مَثَلاً أَو غَيرِها مِنَ البُزور" (1 قورنتس 15/36-37). والواقع ان الآلام كما سيعيشها يسوع ستؤدي الى خصب القيامة التي ستجمع بين اليهود واليونانيين في الجماعة المسيحية الواحدة. فصورة حبة الحنطة هي صورة جميلة لذبيحة يسوع . فإن لم تدفن حبة الحنطة لن تصبح سنبلة قمح تنتج حباً كثيراً. وهكذا وضع يسوع فآلامه وموته تقوده الى القيامة . وقد مات يسوع ليبين سلطانه على الموت. وقيامته تثبت ان له الحياة الابدية. وبسلطانه الالهي يمكنه ان يهب هذه الحياة الابدية. وعليه فان حبة الحنطة التي تموت لتحمل ثمراً هي رمز للحياة الفصحية لكل مسيحي كما ورد على لسان اشعيا "بِسَبَبِ عَناءَ نَفْسِه يَرى النُّور" (اشعيا 53/ 11). ومن هنا ينبغي ان نختار بين حياة خصبة وحياة عقيمة. ولا يكون الاختيار دون عناء. الحياة اختيار وكل اختيار تضحية. وبذا يتمجد ابن الانسان عن طريق التضحية بحياته، لان التضحية هي شريعة الحياة والضمان للحياة الابدية.

25 "مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها ومَن رَغِبَ عنها في هذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة": "مَن رَغِبَ عنها" يعني هذا الفعل هنا كان اقل حبّا لنفسه. إذ ان لغة العهد القديم لا تعرف افعال التفضيل (تكوين 29/31). ان بشارة يسوع قد تحمل التلميذ على التضحية بحياته، كما أن رسالة يسوع بلغت به الى الصليب. وبذا تطبق هذه الشريعة على اولئك الذين يتبعون يسوع في طريق الطاعة. انهم سيكونون معه دائما وسيكرمهم الآب. وعليه فانه يتوجب علينا ان نكون ملتزمين بالحياة المسيحية الى درجة ان نكون مستعدين للموت لو كان في ذلك تمجيد للمسيح.

6 "مَن أَرادَ أَن يَخدُمَني، فَلْيَتْبَعْني وحَيثُ أَكونُ أَنا يَكونُ خادِمي ومَن خَدَمَني أَكرَمَهُ أَبي": ان الصلة بين "خدم يسوع" و"تبع يسوع" هي من معطيات الانجيل الاساسية. عاش يسوع حياته وموته كخادم، عرف معاناة البشر وخضوعهم للخطيئة والموت، تألّم معهم ومن أجلهم، وأدرك أنّ "الموت آخر عدوّ يبيده" (1 قو 15: 26). "فرفع الدعاء والابتهال، بصراخ شديد ودموع ذوارف، إلى الذي بوسعه أن يخلّصه من الموت، فاستجيب طلبه لتقواه. وتعلّم الطاعة، وهو الابن، بما عانى من الألم ولما جُعل كاملاً، صار لجميع الذين يطيعونه سبب خلاص أبديّ" (عب 5: 7-9). يسوع هو الخادم الذي يهب نفسه عن الآخرين (مرقس 10/ 45). وحين يتبعه التلميذ يعرف ان دوره هو دور الخادم الذي يقاسم المعلم موته وقيامته. وعليه فان حياة التلميذ الاصيل تحدّدها حياة يسوع: فلا بد له أن يتبعه في الزهد في النفس المعبّر عنه بقبول الصليب، وتعريض حياته للخطر اذا لزك الامر في سبيل يسوع والبشارة (مرقس 8/34). فإن خدمة يسوع تقتضي ان يشارك التلميذ، على طريقته، في موت يسوع وقيامته (مرقس 10/35-45). واليوم، إذ نطلب ونريد أن نتبعه لنحبّه ونخدمه ونمجّده، فطريقنا يمرّ بالضرورة بما لا يشتهيه العالم، أي الفقر والتواضع، الخدمة السخيّة والمصالحة المتجدّدة، حتى قبول عدم الفهم والرفض والاستهزاء وحتى الموت في سبيله وسبيل البشارة.

27 "الآنَ نَفْسي مُضطَرِبة، فماذا أَقول؟ يا أَبَتِ نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة. وما أَتَيتُ إِلَّا لِتلكَ السَّاعة": إن عبارة "نَفْسي مُضطَرِبة" تظهر حقيقة يسوع البشرية أمام الآلام والصلب: فهو يشعر باضطراب باطني عنيف عند مجابهته رئيس هذا العالم (آية 31) ومذلة الموت الاليمة على الصليب. يخطر له ان يسال الآب أن يصرف عنه هذه الساعة او كأس الآلام (مرقس 14/36) وينجو منه. لكنه يسأل خلاف ذلك ان يمجّد اسم الآب، بحسب الرسالة التي تولاّها (يوحنا 13/31-32). فكان يعلم يسوع ان الله ارسله الى العالم لكي يموت من اجل خطايانا بدلا عنا. ان طريق الطاعة حتى الصليب هي طريق التمجيد النهائي.

28 "يا أَبتِ، مَجِّدِ اسمَكَ. فانطَلَقَ صَوتٌ مِنَ السَّماءِ يَقول: قَد مَجَّدتُه وسَأُمَجِّدُه أَيضاً": الاسم يعبّر عن الشخص ويُظهره. وعليه فان عبارة "مَجِّدِ اسمَكَ" تشير الى ان يسوع يسأل ان يظهر الله ابا (يوحنا 3/16)، فيكتمل عمل محبته للبشر من خلال موت ابنه وقيامته. اما عبارة "قَد مَجَّدتُه وسَأُمَجِّدُه أَيضاً" فتشير أنَّ الآب قد وافق علانية على طاعة ابنه وأظهر مجده في عجائبه على الارض كمعجزة الخمر في عرس قانا الجليل (يوحنا 2/1-11) وشفاء المقعد عند بركة بيت ذاتا في القدس (يوحنا 5/ 1-18) واحياء لعازر (11/4). فبعد مجّد يسوع الآب بهذه الاعاجيب، سيمجّده من خلال الموت والقيامة (يوحنا 13/31-32) وهبة الروح القدس. والواقع بعد ان قام يسوع بتمجيد الآب بطاعته الكاملة في الخدمة المتواضعة حتى الموت، يُشركه الآب في مجده الابدي بالقيامة والتمجيد.

29 "فقالَ الجَمْعُ الَّذي كانَ حاضِراً وسَمِعَ الصَّوت: إِنَّه دَوِيُّ رَعْد. وقال آخَرونَ: إِنَّ مَلاكاً كَلَّمَه": تدل عبارة "دَوِيُّ رَعْد" على حضور الله بواسطة الرعد (خروج 19/ 16).

30 "أَجابَ يسوع: "لم يَكُنْ هذا الصَّوتُ لأَجلي بل لأجلِكُم": لم يُدرك الجمع معنى التدخل الالهي، وكان من شأن هذا التدخل ان يحمله على إدراك معنى الاحداث الخلاصية. فأفهم يسوع أنه لم يكن بحاجة الى هذا الصوت، لأنه متحد دوماً بأبيه. فيعلن ان ذلك الصوت فيه دلالة لهم وهو "الَيومَ دَينونَةُ هذا العالَم".

31 "الَيومَ دَينونَةُ هذا العالَم. اليَومَ يُطرَدُ سَيِّدُ هذا العالَمِ إِلى الخارِج": تعني كلمة "دَينونَةُ" هنا الحكم على العالم. فالصليب يحكم على هذا العالم الذي يسيطر عليه الشيطان، فيصبح سيد هذا العالم (يوحنا 3/19). وظنَّ الشيطان ان موت يسوع على الصليب هو انتصاره، فكان هزيمته. اما عبارة "هذا العالَم" فتدل على العالم الحاضر بصفته المكان الذي تظهر فيه سيطرة ابليس او الشيطان وهو القوة المعادية للسيادة الالهية. وعليه فان هناك تمييز بين "هذا العالم" والعالم الآتي، حيث سيملك الله. لم يأتَ يسوع ليدين، بل ليخلص (3/17-21) إلاّ أن انتصاره بالصليب سيؤدي حتماً الى انهزام الشيطان وإبعاده عن العالم وطرده إِلى الخارِج. إن الشيطان، رئيس هذا العالم قوي، لكن الرب يسوع أقوى من الشيطان بكثير. فقيامة يسوع المسيح قد حطَّمت سلطان الشيطان كما أكّد بولس الرسول ذلك لأهل قولسي "فهو الَّذي نَجَّانا مِن سُلْطانِ الظُّلُمات ونَقَلَنا إلى مَلَكوتِ ابنِ مُحَبَّتِه، فكانَ لنا فيه الفِداءُ وغُفْرانُ الخَطايا" (قولسي 1: 13-14). والواقع أنّ جوهر القيامة يبدأ منذ وجود حضور يسوع على الارض، وهو الاشتراك في الحياة الالهية، ولكنها لا تتحقق تماما إلاّ في اليوم الاخير (يوحنا 5/28- 29).32 "وأَنا إِذا رُفِعتُ مِنَ الأَرض جَذَبتُ إِلَيَّ النَّاسَ أَجمَعين": يشير فعل "رُفِعتُ" على الصليب الى علامة وسبيل لارتفاعه في المجد (يوحنا 8/28). "وقالَ ذلك مُشيراً إِلى المِيتَةِ الَّتي سَيَموتُها" (يوحنا 18/32). ارتبك الشعب امام اعلان يسوع عن موته. إذ انهم لا يستطيعون ان يوفِّقوا بين رأيهم في المسيح المنتظر وبين كلام يسوع، معتقدين ان المسيح المنتظر سيظهر في السماء ويبقى الى الابد. فيطلب يسوع منهم ان يسيروا في النور وان يؤمنوا بالنور. من يؤمن بنور المسيح يستنير روحيا. متى ارتفع يسوع على الصليب، وبالتالي في مجد الآب بالقيامة والصعود، حينئذ يجتذب الناس اجمعين دون تميز في عرق او وطن. اليونانيون سمعوا هذا الكلام شانهم شان اليهود.

ثانياً: تطبيقات النص الإنجيلي

يمكن ان نستنتج من وقائع نص انجيل يوحنا (يوحنا 12: 20- 33) ثلاث نقاط وهي مفهوم الساعة في الكتاب المقدس وساعة المسيح والساعة الاسكاتولوجية.

أ) الساعة في الكتاب المقدسللساعة في الكتاب المقدس معنيان: معنى زمني ومعنى ديني. الساعة في المعنى الزمني تشير ان التاريخ في الكتاب المقدس ينقسم الى عصور وشهور وايام وساعات. اما المعنى الديني فتشير الساعة الى مراحل خطة الله. وتقسم الساعة في مفهوم الكتاب المقدس الى ساعة المسيح والساعة الاسكاتولوجية في آخر الازمنة.

ب) ساعة المسيح:ان ساعة يسوع هي ساعة آلامه وموته، ساعة العدو، ساعة الله، ساعة مجده، "ساعتي" ساعة حب.ساعة يسوع هي ساعة آلامه وموته: اشارت إليها الأناجيل بعبارة "قد اقتربت الساعة" (متّى 26: 45). وقد أتت ساعة المسيح بمجيئه وإعلان الملكوت بطريقة لا تلفت الأنظار (يوحنا 2: 4) وخاصّة ساعة آلامه ومجده التي فيها تحقّق تماماً تدبير الله الخلاصي. إنها ساعة آلامه بدأ معها يسوع كفاح باطني قاسٍ كما وصف انجيل مرقس "ووَقعَ يسوع إِلى الأَرضِ يُصَلِّي لِتَبتَعِدَ عنهُ السَّاعة، إِن أَمكَنَ الأَمْر" (مرقس 14: 35). وهناك بعض ساعات قاسية مرّ بها يسوع، مثل الساعة التي يتركه فيها تلاميذه (يوحنّا 16: 32)، إلا أنها تنزع نحو المجد.

ساعة يسوع هي أيضاً ساعة العدوّ: ساعة الانتصار الظاهري للظلام؛ كما جاء على لسان يسوع: "كُنتُ كُلَّ يَومٍ مَعَكم في الهَيكَل، فلَم تَبسُطوا أَيدِيَكُم إِليَّ، ولكِن هذه ساعتُكم! وهذا سُلطانُ الظَّلام! "(لوقا 22: 53).ساعة يسوع هي ساعة الله: ولكن أكثر من ذلك، هي ساعة الله، التي حدّدها بنفسه وعاشها يسوع طبقاً لمشيئة الآب. وإذ جاء ليتمّم هذه المشيئة، فهو يقبل هذه الساعة، برغم الاضطراب الذي يستحوذ عليه من جرّائها كما جاء في صلاة يسوع في بستان الجسمانية "الآنَ نَفْسي مُضطَرِبة، فماذا أَقول؟ يا أَبَتِ نَجِّني مِن تِلكَ السَّاعة. وما أَتَيتُ إِلَّا لِتلكَ السَّاعة. (يوحنّا 12: 27).ساعة يسوع هي ساعة مجده: ولا ننسى ان ساعة يسوع أنها أيضاً ساعة مجده؛ كما اكّد يسوع الى تلميذيه أَندَرواس وفيلِبُّس: "أَتَتِ السَّاعَةُ الَّتي فيها يُمَجَّدُ ابنُ الإِنسان."(يوحنا12: 23) ؛ وهي ساعة كمال رسالته الخلاصية كما اعلن يسوع في مثل حبة الحنطة "الحَقَّ الحَقَّ أَقولُ لَكم: إنَّ حَبَّةَ الحِنطَةِ الَّتي تَقَعُ في الأَرض إِن لَم تَمُتْ تَبقَ وَحدَها. وإذا ماتَت، أَخرَجَت ثَمَراً كثيراً" (يوحنا 12: 24). لا يريد يسوع الحياة لنفسه، "لم يَعُدَّ مُساواتَه للهِ غَنيمَة" (فيلبي 2: 6)، بل يريد أن يجمع في جسد واحد سائر أخوته البشر (قولسي 1: 18)، فيقع في الأرض كحبّة الحنطة ويموت، "تَجرَّدَ مِن ذاتِه" (فيلبي 2: 7)، ليعطي الحياة لكثيرين.ساعة يسوع هي "ساعتي". في انجيل يوحنّا يُسمِّي يسوع هذه الساعة "ساعتي" (يوحنا 2: 4)، لشدّة مطابقة إرادته مع إرادة الله. ما من أحد يمكنه، مخالفة التخطيط الإلهي والتماس معجزة دون أن يشير يسوع إلى حلول ساعته. وتبعاً لساعته هذه، يترتب كل نشاطه سواء كان في صنع المعجزات أو في ممارسة وظيفته النبويّة. فكل محاولة لإلقاء القبض على يسوع أو لرجمه تظلُّ بدون جدوى طالما لم تأتِ ساعته "فأَرادوا أَن يُمسِكوه، ولكِن لم يَبسُطْ إِلَيه أَحَدٌ يَداً، لأَنَّ ساعتَه لم تكُن قد جاءَت" (يوحنا 7: 30). وتتحطم مخططات البشر في مواجهة هذا التحديد الإلهي.ساعة يسوع هي ساعة الحب: عندما "أَتَت ساعَةُ انتِقالِه عن هذا العالَمِ إِلى أَبيه" (يوحنا 13: 1)، أي عند ساعة الحب الذي بلغ ذروته، نرى يسوع المسيح يذهب إلى الموت بملء حريته، مسيطراً على جميع الأحداث، كما جاء على لسان يسوع "وما ذلِكَ إِلاَّ لِيَعرِفَ العالَمُ أَنِّي أُحِبُّ الآب وأَنِّي أَعمَلُ كما أَوصاني الآب (يوحنا 14: 31). إنّها ساعة الحبّ الأعظم، التي يهب فيها يسوع حياته لأحبّائه الذين هم في العالم، وقد أحبّهم الى اقصى الحدود "لَيسَ لأَحَدٍ حُبٌّ أَعظمُ مِن أَن يَبذِلَ نَفَسَه في سَبيلِ أَحِبَّائِه" (يوحنا 15: 13). هكذا، وراء الأحداث التي تتعاقب، يتّجه كلّ شيء نحو هدف سوف يتمّ بلوغه في زمنه وفي يومه وفي ساعته. إن ساعات هذه المسيرة موقوتة. وكلّها تشهد لقصد الله الذي يقود التاريخ كما قال يسوع بعد قيامته "لَيَس لَكم أَن تَعرِفوا الأَزمِنَةَ والأَوقاتَ الَّتي حَدَّدَها الآبُ بِذاتِ سُلطانِه" (أعمال 1: 7).ج) الساعة الاسكاتولوجية في آخر الازمنة الساعة الاسكاتولوجية هي ساعة الدينونة في الازمنة الاخيرة. كان رجاء اليهود متجهاً نحو "ساعة" التدخل الالهي الاخير، في آخر الازمنة (دانيال 8/17-19 ومتى 24/ 36 ). وقد وصف دانيال النبي هذه الساعة انها ساعة حاسمة، ساعة الانقضاء التي تشهد دمار العدوّ (دانيال 11 : 40 و45،) كذلك سفر رؤيا يصفها ساعة دمار (رؤيا 18: 10 و17 و19).اما يسوع فيعلن ساعة الدينونة، ساعة الانتصار النهائي لابن الانسان ، ساعة غير معروفة للبشر "أَمَّا ذلكَ اليومُ وتلكَ السَّاعَة، فما مِن أَحَدٍ يَعلَمُها، لا مَلائكةُ السَّمَواتِ ولا الابنُ إِلاَّ الآبُ وَحْدَه."(متى 24/36) وهي ساعة الحصاد (رؤيا 14/15-17). يصحب هذه الساعة محن عامة كما يصرّح صاحب الرؤية "فسأَحفَظُكَ أَنا أَيضًا مِن ساعةِ المِحنَةِ الَّتي ستَنقَضُّ على المَعْمورِ كُلِّه لِتَمتَحِنَ أَهلَ الأَرْض. (رؤيا 3: 10) كما يصحبها محن خاصّة "فأَطلِقَ المَلائِكَةُ الأَربَعَةُ المُتَأَهِّبونَ لِلسَّاعَةِ واليَومِ والشَّهرِ والسَّنَة، كَي يَقتُلوا ثُلثَ النَّاس. (رؤيا 9: 15). هي ساعة قريبة (يوحنّا 4: 23). اما يوحنا الحبيب فيصفها انها "الساعة الأخيرة" من التاريخ (1 يوحنا 2: 18).

خلاصة

على المؤمن أن يستعدّ لهذه الساعة الخطيرة وإن كانت غير معلومة (متى 25: 13). فمن ناحية يطلب القديس بولس الرسول ان نستعد لها بالتنبه من النوم أي" لِنَسِرْ سيرةً كَريمةً كما نَسيرُ في وَضَحِ النَّهار. لا قَصْفٌ ولا سُكْر، ولا فاحِشَةٌ ولا فُجور، ولا خِصامٌ ولا حَسَد" (رومة 13: 13). ومن ناحية أخرى يطلب يسوع منا ان نستعد لها بالصلاة والعبادة في صداقة حميمة مع الآب بالروح القدس "تَأتي ساعةٌ -وقد حَضَرتِ الآن- فيها العِبادُ الصادِقون يَعبُدونَ الآبَ بِالرُّوحِ والحَقّ" (يوحنا 4: 23). وعلى مثال يسوع، نتوسّل إلى أبيه كيّ يمنحنا نعمة أن نحبّ أنفسنا فنقبل أن نخسرها في نظر العالم، لنحفظها للحياة التي لا تنتهي "مَن أَحَبَّ حياتَهُ فقَدَها ومَن رَغِبَ عنها في هذا العالَم حَفِظَها لِلحَياةِ الأَبَدِيَّة. (يوحنا 12: 25).

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com