عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

أعطوا لقيصر ما لقيصر ولله ما لله الأب رائـد أبو ساحلية

 

أعطوا لقيصر ما لقيصر ولله ما لله

الأب رائـد أبو ساحلية

أصبحَ قولُ السيد المسيح هذا مثلاً يُضرَب في إعطاء كلِ ذي حقٍ حقَه، والطاعة للسلطةِ الحاكمة من جهة وطاعة الله من جهةٍ أخرى، بالإضافة إلى الاهتمام بالأمورِ المادية والدنيوية دون اهمال الأمور الدينية والروحية، بحيث يصل الإنسان إلى الاعتدال الذي نعبر عنه بقولنا "ساعة لربك وساعة لقلبك".

وقد جاء هذا القول جواباً على سؤال طرحه تلاميذ الهيرودسيين على يسوع ليحرجوه: "يا معلم، نحن نعلم أنك صادق، تَعرِّف سبيل الله بالحق، ولا تبالي بأحد، لأنك لا تراعي مقام الناس. فقل لنا ما رأيك: أيَحل دفعُ الجزية إلى قيصر أم لا؟" فعلم يسوع بخبثهم ومحاولتهم الايقاع به في الفخ لأنه إن قال أنه لا يجب دفع الجزية فإنه سيُعتَبر مُحرِّضاً على السلطة الرومانية المحتلة في ذلك الوقت، وإن قال إدفعوا الجزية فإنه سيُعتبر خائناً للوطن وعميلاً للمحتل، إنه في مأزقٍ مُحرِج! لذلك قال لهم: "لماذا تحاولون إحراجي، أيها المراؤون! أروني نقد الجزية" فلما أتوه بدينار، قال لهم: "لمن هذه الصورة والكتابة؟" قالوا: "لقيصر" فقال لهم: "أدوا إذن لقيصر ما لقيصر ولله ما لله".

لقد وجدَ السيد المسيح هذا المخرج من هذا المأزق، وأراد أن يعلمهم درساً بليغاً في العدالة والاعتدال في كل شيء، وخاصة في التعامل مع السلطة الحاكمة بالاضافة لمسألة التعامل في الأمور المادية والمالية. إنها الطريقة المُثلى للتعامل مع الغنى والإلتزام والمساهمة في خلق مجتمع أفضل. فالمؤمن الذي يعطي لله ما لله يضع الله في المقام اللائق به: المقام الأول. الله الذي لا يقارن بأحد ولا بأي شيء آخر لأنه فوق الجميع وفوق كل شيء. وكل الخليقة يجب أن تؤدي لله ما هو لله أولاً وكل شيءٍ آخر يتبع. فعلى الإنسان عدم القلق وعدم السعي المُستميت وراء الغِنى. وأن لا نجعل من المال إلهاً بل عبداً نستخدمه لبناءِ مجتمعٍ أفضل.

إن القسم الأخير من هذا القول يُذكرنا أيضاً بأن لله حقوق علينا – رغم أنه ليس بحاجة لنا - لأنه خلقنا ويحبنا ويعتني بنا ويهبنا النعم والبركات ولا يغفل عن طلباتنا واحتياجاتنا، بينما ننسى كثيراً كل هذا ونتصرف وكأنه غير موجود أو بعيد عن مسرح حياتنا، ونتذكره فقط عند الضيق والشدة والحاجة والمرض وننساه وقت الرخاء والصحة والنجاح. أما المبدأ الأساسي الذي يطرحه السيد المسيح فيقوم على أولوية الله في حياتنا لأنه مصدر كل شيء "إنا لله وإنا إليه راجعون" لذلك فإننا نقدم لله ما هو لله لأنه منه وإليه. فالله يستحق منا الشكر والحمد والتسبيح والسجود والعبادة، فينبغي أن نفرد له مكان الصدارة في حياتنا بحيث تكون له حصة الأسد.

أما القسم الأول من القول فهو يتكلم عن قيصر، ومعناه بالدرجة الأولى الإمبراطور الروماني الذي كان يحكم البلاد والعِباد بالقوة والقانون في ذلك الزمان، لذلك كان من الواجب الولاء له ودفع الجزية من طاعة ومال، ولكن تعبير قيصر أصبح يعني حيناً السلطة المدنية والقائمون عليها، وهو حيناً الوطن على اتساعه، وهو حيناً السلطة الوالدية، وقد يكون أيضاً الاهتمامات المادية والدنيوية من عملٍ ومالٍ وجاهٍ وسُلطان.

يطالبنا السيد المسيح بالطاعة والاحترام للسلطة الحاكمة، علينا أن نبتهل إلى الله من أجل الذين يحكموننا من ملوكٍ وحُكَّامٍ وسلاطين، علينا أن نُحبَّ الوطن وأن نُخلِصَ له ونخضع لشرائعه وأن نذود عنه بكل وسيلة. ويقول القديس بولس في هذا الصدد: "فأسأل قبل كل شيء أن يُقام الدعاءُ والصلاةُ والابتهالُ والشكرُ من أجلِ جميع الناس ومن أجل الملوكِ وسائرِ ذوي السلطة، لنحيا حياة سالمة مطمئنة بكل تقوى ورصانة، فهذا حسنٌ ومرضيٌ عند الله مخلصنا".

ويدعونا أيضاً إلى السعي وراء رزقنا ولقمة عيشنا بكل جهدٍ وجدٍ والتزام، فهو يقول "افعل ما أنت فاعل" أي إذا عملتَ عملاً فأتقنه، وضع فيه دم قلبك. كما أنه علينا الاهتمام بأمور حياتنا الدنيوية والمادية من أكلٍ وشربٍ وراحةٍ واستجمامٍ والعنايةِ بجسدنا ونظافته وصحته دون اهمالٍ أو ارهاقٍ، شريطة أن لا يأخذ هذا مكان الله في حياتنا.

وأخيراً، وفي وضعنا الحالي، قد يتساءل البعض: هل يجب علينا طاعة الحكام الظالمين؟ هل يجب الخضوع والرضوخ لسلطة الاحتلال؟ هل يجب دفع الجزية أو الضريبة للسلطة غير الشرعية؟

وهنا نجيب بأنه من حيث المبدأ وفي الأحوال العادية يجب أن تكون السلطة الحاكمة شرعية ومنتخبة لكي تكون مقبولة، ويجب أن تكون القوانين والتشريعات نابعة من الشعب وتحظى بقبول وموافقة الجميع وتقوم على العدل لكي تُطاع وتُحتَرم. أما في الأحوال غير العادية – كما هو الحال في بلادنا – فإنه يحق للمواطن أن يقوم بالعصيان المدني على السلطة المحتلة غير الشرعية ويناضل من أجل انتزاع حقوقة المغتصبة في الحرية والاستقلال، وإحدى الطرق السلمية في المقاومة اللاعنفية، يمكن اللجوء إلى سلاح عدم دفع الضرائب أو مقاطعة البضائع التي تنتجها وتسوقها سلطة الاحتلال. فقد تشكل هذه وسيلة ضغط لترفع هذه السلطة الظلم وتُحِقَ الحق أو تعدِّل القوانين الظالمة وترجع إلى الشرعية الدولية وتحكم بمقتضى العدل والانصاف.

ولكن في بعض الأحيان قد يضطر المظلوم للرضوخ ولو مؤقتا بحكم "مُكرهٌ أخاكَ لا بَطل" ولأن "لا حول له ولا قوة إلا بالله" رغم أنه يرفض رفضاً باتاً الظلم ويحاول جاهداً رفعه عنه عندما تسنح الفرصة وتلوح الامكانية المناسبة. إن هذا لا يعني التنازل عن الحق ولا الرضوخ للظلم بل الواقعية المؤقتة التي تتحكم بها ظروف غير مؤاتية من تجبر السلطة الحاكمة وعدم ارتداعها أو امتثالها لصوت العقل والمنطق ولا للقوانين الدولية كالحكم الاحتلالي أو الدكتاتوري. وقد يكون السبب أيضاً ضعف مؤقت في صفوف الشعب المظلوم لعدم امتلاكه للقوة المادية التي تردع الخصم ولا الدعم الدولي الذي يرفع الظلم عنه ويُرجِع الأمورَ إلى نِصابها. ولكن في كل الأحوال يجب أن لا يضيع الحق وأن لا يستمر هذا الوضع المؤقت ولا بدَّ أن يزول في الوقت المناسب.

إنَّ قولَ "أعطِ لقيصر ما لقيصر ولله ما لله" يمكن أن يكون ذريعةَ ضعفٍ أحياناً ولكنه أيضاً علة قوةٍ في كل الأحوال، لأن السيد المسيح لا يُعلِّمُ أحداً الخنوعَ لظالمٍ أو الرضوخَ للظلمِ بل يدعو الإنسان إلى الحرية الحق "تعرفون الحق والحق يحرركم" ويبشر بالإيمان العامل بالمحبة، فالمحبة هي القوة العظمى التي تعجز عن هزيمتها كل أسلحة العالم الفتاكة، فمن ثبتَ في الله ثبتَ في المحبة لأن الله محبة.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com