القديس يوحنا الدمشقي
تشكر إدارة الموقع قدس الأب انطونيوس عجينة لإرساله هذه المادة
ولد القديس يوحنا في مدينة دمشق في سورية نحو سنة 676 م، أيام الخلافة الأموية و كان أبوه المنصور (سرجيوس) وزيراً للخليفة عبد الملك بن مروان و كان محبوباً عند الخلفاء مكرماً عند المسيحيين و المسلمين لما إتصف به من خصال عالية و أخلاق حميدة، و كان يستخدم ماله من إعتبار لدى الخلفاء لإعتاق المأسورين ، عني منصور بتربية ولده يوحنا و أراد له أن يتعلم العلوم و الفلسفة فحار لمن يسلم أمره و بينما كان كعادته يتفقد أسرى الحروب مر بفرقة معدة للقتل و رأى كاهناً راهباً فرثي لحاله و سأله عن إسمه و نسبه فعرفه ذلك الراهب بحاله و أسفه على ضياع حياته قبل أن يستفيد أحد من علمه ، فتنبه المنصور للأمر و أتي به إلي الخليفة فإستوهبه إياه فوهبه له ، فأتي به إلي بيته و سلم إليه مقاليد تربية إبنه يوحنا وولده الثاني بالتبني قزماً . كان ذلك الكاهن يدعى قزماً أيضاً وكان ماهراً في العلوم و الفنون فشغف بالوزير و بولديه و أخذ يلقنهما أصول البيان و الفلسفة و رأى من الولدين ميلاً كبيراً إلي الإلهيات فجعل يشرح لهما علم اللاهوت فنبغ يوحنا في تلك العلوم نبوغاً عظيماً و لما أتما علومهما استأذن قزماً الوزير المنصور في الذهاب إلي دير القديس سابا ليمارس أعمال النسك فأذن له و أطلقه ، فأتى قزماً دير القديس سابا و نسك هناك و مات الوزير المنصور فسلم الخليفة إلي يوحنا مقاليد السلطة التي كانت بيد أبيه و أقامه وزيراً بدلاً منه لما كان يتمتع به يوحنا من علوم عالية و مبادئ سامية فقام يوحنا بأعباء منصبه أحسن قيام رغم حداثة سنه . في ذلك الوقت ظهرت بدعة غريبة قام بها الملك لاون الإيصوري يقول فيها إن إكرام الأيقونات هي عبادة وثنية و أمر بتحطيم الأيقونات و نزعها من الكنائس و البيوت و أثار على الكنيسة حرباً و أرسل الجند إلي الكنائس و المنازل فأخذوا يكسرون ما وصلت إليه أيديهم من الأيقونات الثمينة و يحملون إلي خزائن الملك صفائح الذهب و أكوام الحجارة الكريمة التي كانت تزين تلك الأيقونات فثار الأساقفة و الكهنة و الرهبان و جمهور الشعب و إستماتوا في الدفاع عن إيمانهم الذي لا يقدم عبادة سجود للذهب و للخشب و للمواد المصنوعة منها الأيقونة ، و إنما يكرم الأشخاص الذين تمثلهم الأيقونات و تقدم السجود لله وحده فقط و قد شارك يوحنا أبناء الكنيسة في الدفاع عن الإيمان المستقيم ، و كتب رسائل شرح فيها العقيدة الأرثوذكسية و تعاليمها ببراهين لاهوتية و منطقية . و يقال أن الملك لاون حاول أن يخنق صوت الدمشقي بالحيلة فاستدعى أمهر الخطاطين لديه و طلب منهم أن ينسخوا له رسالة كتبها زوراً و كأنها مرسلة إليه من القديس يوحنا يستعين به( الإمبراطور) على الخليفة و أرفق لاون الرسالة المزورة بأخرى شخصية عبر فيها للخليفة عن رغبته في السلم و الصلح بينهما و للتأكيد على ذلك يرسل إليه صورة الرسالة التي أرسلها إليه يوحنا، فلما أطلع الخليفة عمر بن عبد العزيز على الرسالتين إستبد به الغضب الشديد و أرسل في طلب يوحنا وواجهه بهما فدافع القديس عن نفسه و لكن جدوى ، فأمر الخليفة السياف بقطع يد القديس اليمنى ، فأخذ قديسنا يده و دخل إلي بيته و إرتمى عند أيقونة والدة الإله و صلى بدموع غزيرة لتردها له و فيما هو مستغرق في صلاته غفاً، و إذا بوالدة الإله تتراءى له في الحلم قائلة : ها إن يدك قد عوفيت الآن . فاستيقظ يوحنا من النوم ليكتشف أن يده قد عادت بالفعل صحيحة و موضع القطع ظاهر عليها كخط أحمر . أثر الأعجوبة ، حاول الخليفة إستعادة يوحنا و لكن قديسنا كان قد زهد في الدنيا و تاقت نفسه إلي حياة النسك و العبادة فاستأذن الخليفة و ترك البلاط و باع أملاكه و وزع ثمنها على الفقراء و الأيتام و الكنائس و الأديرة و سافر قاصداً دير القديس سابا و أتى الدير و تضرع إلي الآباء أن يقبلوه في عداد صغار الرهبان . دخل يوحنا الدير مشغوفاً بحب الإبتعاد عن العالم و ممارسة الفضائل الرهبانية و الطاعة و التواضع و قهر النفس. و لما كان إسمه قد ملاء الدنيا خاف رئيس الدير أن يكون دخوله مؤقتاً ثم يعود إلي حياة النعيم التي تعودها و أراد أن يمتحنه فعين له مرشداً راهباً طاعناً في السن كثير التقشف شديداً على نفسه و على غيره فكان يوحنا يسير بموجب إرشادات أبيه الروحي فادهشت طاعته رهبان الدير و لا سيما عندما رأوه يجيد أحقر أعمال الخدمة التي كان يفرضها عليه مرشده، و بعد أن تحقق رئيس دير القديس سابا فضيلة يوحنا السامية و تواضعه و علمه الغزير فكر في رسامته كاهناً لينفع الشعب بمعارفه و فضائله فقدمه للبطريرك الذي رسمه كاهناً و أوكل إليه الوعظ و الإرشاد في كنيسة القيامة ، فشرح التعاليم اللاهوتيه و دافع عن الأيقونات و دحض حجج لاون الأيصوري و أتباعه و أخذ يطوف مدن سورية و فلسطين ليثبت المؤمنين في عبادة الله و يبعدهم عن شر تلك البدعة الهرطقية التي جاهر بها لاون و أتباعه . ألف القديس يوحنا الدمشقي كتباً نفيسة عديدة منها اللاهوتية و الفلسفية التي شرح فيها عقائد الإيمان ووضع التسابيح الكنسية و الألحان الثمانية التي لا زالت كنيستنا الأرثوذكسية تستعملها إلي اليوم في صلواتها و طقوسها جمعها في كتاب المعزي. رقد بالرب نحو السنة 760 م، و له من العمر84 سنة . تحتفل كنيستنا الأرثوذكسية بتذكاره في الرابع من شهر كانون أول شرقي(17 كانون أول غربي) من كل عام.
طروبارية على اللحن الثامن
لقد ظهرت مرشداً إلي الإيمان القويم و معلماً لحسن العبادة و لطهارة السيرة. فأنرت الجميع بتعاليمك يا معزفة الروح القدس . و كوكب المسكونة. و جمال رؤساء الكهنة يوحنا الحكيم المتأله اللب. فتشفع إلي المسيح الإله في خلاص نفوسنا.
|