عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E نجمه في المشرق

عرس التطويب _المطران بطرس المعلم الموقر

عرس التطويب

المطران بطرس المعلم

الساعة 7:17 من مساء 2/4/2005 لفظَ يوحنا بولسُ الثاني أنفاسه الأخيرة . العالم كله شارك في جنازته المهيبة ، وقد خيّم عليها الخشوع والوجوم .

وفي نهايتها انفجرت الجماهير مرددة : “Santo , subito ” ( " نريده قديسا ، على الفور " ) . صوت الشعب يستبق صوت السلطة الكنسية الرسمية . شرّفتنا كثيرًا صداقته حيّا ، فكان لنا أيضًا شرفُ المشاركة في احتفالات إعلانه " طوباويا ".
السبت 30 نيسان 2011. رومة هي رومة ، ولكنها أيضًا غيرها . " جميع طرق العالم تقود إلى رومة " ، كانوا يقولون زمن الإمبراطورية الرومانية . الإمبراطورية زالت ، أما المَثل فتعزّز . مليونا نسمة تتدفق على المدينة من شتى أنحاء العالم للمشاركة في الحدَث . على مدى 3 أو 4 كلم في مدارٍ حول قلب الفاتكان ، لا سيارة تكسي ولا حافلة ركاب ، بل ولا درّاجة نارية وحتى هوائية : الشوارع كلها مفرغة للمشاة ، تقوم عليها هنا وهناك كل مستلزمات الصحة والنظافة ، ومستحضرات الإسعاف والطوارئ الاحتياطية ، ومنصّات وسائل الإعلام ، وورش الاستعدادات الأخيرة ... حركة زاخرة ، ولكن دون صخب أو ضجيج ... وتأوي مساءً إلى فراشك للاستراحة . ولكن أيّ استراحة ؟
الأحد 1 أيار 2011 . فمنذ الثانية فجرًا يوقظك تدفق أنهارٍ بشرية نحو ساحة القديس بطرس ، تصلي بإيمانٍ وحرارة ، تحت رذاذٍ متقطع من المطر . وقد وُجّهَت الطرقُ ، حتى للمشاة ، في اتجاهات واحدة ، كي لا تلتقي في اتجاهاتٍ متعاكسة . وعند الصباح تتحسّن الأحوال الجوية . ولكنك تنظر من نافذة غرفتك ، فترى أن الساحة نفسها ، وجميع الشوارع والأزقة حولها ، على مد البصر ، قد أصبحت مكتظة بالرجال والنساء ، وحتى الشيوخ والأطفال ، ولكن وخصوصأ الشباب والصبايا ، من كل بلدٍ ولغةٍ ولون . ويلفت نظرَك العددُ الكبير من الكرادلة والمطارنة ، يحاولون بالجهد شقّ طريقهم ، وهم في الشوارع بكامل حللهم الحبرية ، مما لا نراهم فيه عندنا إلا داخل الكنائس ... ولا أطيل.
ففي تمام العاشرة ، يطلّ قداسة البابا بندكتس السادس عشر في سيارة " الباباموبايل " المكشوفة ، وحولها حرس الشرف ، فيطوف في الممرات المخصصة لذلك من الساحة ، فيحيّي ويبارك الجماهير . ثم يترجل فيصعد درجات باحة الكنيسة ، وأمامه البطاركة الشرقيون والكرادلة ، وقد ناهز عددهم المئة والخمسين ، فيقبّلون جميعهم الهيكل تحت السرادق الكبير ، الذي أقيم لهذه المناسبة ، ثم يأخذون أماكنهم إلى جهة اليمين ، وخلفهم المطارنة الكاثوليك من مختلف أنحاء العالم ، وقد كان لنا الشرف أن نكون في مقدمتهم بلبسنا الشرقي المميز ، وقد فاق عددهم الستّ مئة . أما من جهة اليسار فكان كبار الرسميين المدنيين من رؤساء دول ، ورؤساء حكومات ، وأمراء ووزراء ، ورؤساء بعثاتٍ رسمية ، وسفراء الدول المعتمَدين لدى الكرسي الرسولي ...
وبعد تقبيل الهيكل ، يرتقي البابا " عرشه " في أقصى السرادق ، وتبدأ مراسم " التطويب " وفق طقوسٍ معيّنة ، من ضمنها أن يتقدم محرّكُ الدعوى أمام " مجمعِ دعاوى القديسين " ، فيجثو أمام البابا ، ويطلب إلى قداسته ، باسم الشعب المؤمن ، وبعد اكتمال جميع الشروط المقتضاة ، أن يعلن البابا يوحنا بولسَ الثاني " طوباويا " . فيتلو حينئذ قداسته البراءة الرسولية ، التي يعلن فيها " بموجب السلطة الرسولية المعطاة له " البابا يوحنا بولسَ الثاني " طوباويًا في الكنيسة " . وإذّاك تدوّي هتافات البهجة ، وتلتهب الأيدي بالتصفيق ، فيما تنزاح ، خلف عرش البابا ، فوق رِتاج الكنيسة ، الستارة عن صورة عملاقة للطوباوي الجديد ... ثم يبدأ القداس الإلهي . وفي نهايته يتقدم " امين دولة " الفاتكان ، ( وهو الشخصية الأولى في التراتبية بعد البابا ) ، وباسم المؤمنين جميعا يتوجه بالشكر العميق إلى قداسته على تجاوبه مع رغبة المؤمنين الملحّة . وينتهي القداس بمنح البَرَكة الرسولية ، وباستمطار نِِعَم الرب ، بشفاعة الطوباوي الجديد ، على الحضور ، وعلى جميع المشاركين ، في العالم كله ، عبر وسائل الاتصالات.
كثيرون اتصلوا بنا مستوضحين معنى " التطويب " ، ومراحل البلوغ إليه ، والطرق المعتمدة تاريخيا لإعلان القداسة ، والوسائل المتبعة حاليّا للتثبت العلمي من صحة " العجائب " المطلوبة في " دعاوى القديسين " ، وما الفائدة من كل ذلك اليوم ، فيما الملايين يموتون كل يوم جوعا ، ويُقصفون ويُشرّدون ويُقتلون ، وحرّية الإنسان وكرامته تُمتهَن في عشرات البلدان ، وعلى ألفِ وجهٍ ووجه . أليس أن الكنيسة في وادٍ والعالمَ في واد ؟ اهتمامات السائلين تهمّنا ، وتزيدنا قربًا منهم ، وكم كنا نودّ لو يتاح لنا الوقت والمجال للإجابة عن كل ما يجول بخاطرهم عن حقّ في حب الاستطلاع ومعرفة الحقيقة . ولكنا مضطرون في هذه العجالة الى الاختصار.
فنُطَمْئن أولاً أن التطويب لا يشتقّ من " الطابو " ، ولا يعني تسجيلَ مكانٍ أو حصّة في " طابو " السماء أو الجنة ، بل هو من ال " طوبى " ، ويعني الهناءة والسعادة لمن وعى قِيَمًا إلهية أو إنسانية معيّنة ، وعاشَ بموجبها . أما " دعاوى القديسين" فلها قوانينها الصارمة، كما في الدعاوى القضائية الأخرى، ولها ملفاتها الضخمة، ومدّعوها ومحاموها (ومنهم " محامو الشيطان " للتنكر لها وإبطالها ) ، ويقتضي البتّ ببعضها عشرات السنين بل العقود . ولا ندخل هنا في التفاصيل . أما " العجائب " في عصر العلمنة الملحدة ، فلا وجود لها في قاموسهم . ولكن يأتي مثلا الطبيبُ الجرّاح والعالِمُ البيولوجي الفرنسي " المفكر الحر " الشهير ألِكسي كارِل (1873-1944) ، المناضلُ عن استحالة العجائب ، فيذهب إلى مزار لورد ، ليُثبت بطلان ظهورات العذراء فيها ، وبطلان العجائب التي تنسَب إليها هناك ، وإذا به ، بعد الاطلاع على الملفات والتقارير الطبية ، ومعالجة بعض الحالات بنفسه في المختبرات العلمية المختصّ ة، يعود من لورد مؤمنا ، بل ليكتب كتبًا في صحة ما رأى واختبر بنفسه .
أما في بُعدِ أو قُربِ الكنيسة عن عالم اليوم ، فمَجال القول فيه مفتوح سلبًا أو إيجابًا ، وقد لا يخلو بعض القول من الصحة ، ولكن التعميم على كل حال خطأ مرفوض . وإلا فلِمَ تلك الجموعُ في تطويب هذا البابا ؟ هل كان حقا بعيدًا عن العالم وهمومه ذاك الذي شملت حبريته أكثر من مئة رحلة رسولية خارج الفاتكان وإيطاليا ‘ إلى أكثر دول العالم ، ولا سيما الأكثر فقرا وتخلفا كدول افريقيا وأميركا اللاتينية ، أو الأكثر تعقدا في أوضاعها السياسية كدول الشرق الأوسط ، بل حتى الأكثر تطورًا كأميركا الشمالية وأوروبا ، وله إلى كلٍ من تلك الدول الرسائل الخاصة وفقا لحاجاتها أو مسؤولياتها الخالصة ؟ طبعًا ليس عند البابا مدافع ودبابات ، ولكن هل كان لأيٍّ غيره مثلُ ما كان له من أثر مثلا في سقوطِ حائط برلين ، وتحرير شعوب أوروبا الشرقية ، ومحاربة الجشع الرأسمالي المتوحش ، كما الماركسية المتطرفة ؟ هل مَن دافعَ مثله في المحافل الدولية عن حقوق المرأة والطفل والعامل ؟ مَن حامى مثله عن قضايا العدالة ( ولا سيما قضية الشعب الفلسطيني ) ، أو وقف في وجه الظلم ( كما في غزو أميركا للعراق ) ؟ حتى تلك الدول التي قاوم بكلمته نظمها الاقتصادية أو سياساتها الظالمة ، كانت في يوم تطويبه حاضرة تحني الرأس تقديرًا وإجلالا.
التطويب ، كما قلنا ، ليس تسجيل كوشانِ مِلكيّةٍ في سماءٍ أو جنّة ، بل هو تنزيلٌ في النفس لملكوتٍ روحيّ تحياه أنت وتعيش قيَِمه ، فيرقى بك إلى قامة مِلء الإنسان ، فتقدّمه الكنيسة للعالم شهادة حيّة يُقتدى بها، كما يقول بولس: " إقتدوا بي كما أقتدي أنا بالمسيح " (1 كورنثس 11: 1). أليس مثل تلك الصورة ما يقدّمه لنا يوحنا بولس الثاني ؟ رحلته الرسولية الأولى بعد انتخابه بابا كانت إلى القسطنطينية في 29/11/1979 ، لزيارة البطريرك المسكوني ديمتريوس ، عشية عيد القديس أندراوس الرسول ، شفيع الكرسي القسطنطيني . وكان في البرنامج الرسمي أن يزور قداسته كنيسة " آجيا صوفيا " الشهيرة ، التي حُوّلت إلى جامع إثر سقوط القسطنطينية سنة 1453، ثم إلى متحفٍ أثريّ . ولكنْ في الليلة السابقة للزيارة فرّ من السجن أحدُ كبار المجرمين ، التركي محمد علي آغا ، مهدّدًا باغتيال البابا . أخِذت التدابير الأمنية الشديدة ، وفشلت الخطة .... ولكن المجرم ظلّ يترصد البابا . وفي 13/5/1981، فيما قداسته يطوف بالمؤمنين كالعادة ، في سيارته المكشوفة " الباباموبايل " في ساحة القديس بطرس ، غدره الآغا بأربع رصاصات من مسدّسه ، أصابت إحداها ذراعه اليمنى ، والثانية سبابته اليسرى ، والثالثة خرقت بطنه ... ولا أطيل ... البابا أسقط حقه في الملاحقة ، لكن العدالة لم تسقط الحق العام . أعيد القاتل إلى السجن . بعد سنين طويلة ، أصرّ البابا على زيارته في سجنه. ألم يقل المسيح : " كنتُ سجينا فزرتموني" (متى 25: 36). حذّروه من ذلك ، ولكنه أصرّ على الزيارة ، وأصرّ على أن يكون السجين طليقًا بلا قيود ، وأن لا تكون الزيارة تحت رقابة . فلما دخل أسرع فعانق آغا وقبّله ، وطلب أن يُتركا لوحدهما ، فجلس بقربه . أما الحديث بينهما فلا يعلمه إلا الله . ولكنْ حين الافتراق شوهد آغا متمسكا بيد البابا يقبّلها ويغسلها بالدموع ولا يريد أن يتركها . هل الذين يحاضرون عن المسامحة ، وينظّمون الممؤتمرات لأجل المصالحات ، فيما المرافقون يعقدون صفقات الأسلحة ، هل أمثال هؤلاء يعملون للسلام وخير البشرية أكثر من يوحنا بولس الثاني ؟

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com