عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E سير قديسين

1/8/2009
افرام السوري القسم 3 _سبستيان بروك

أن قوة الإرادة الحرة واهية، فالحَظْ

كم قطع رجاء نفسه

بإفقار الإرادة الحرة، وهي الكنز

الذي اقتنته البشرية (الكنيسة18:2-23).

قــيمة الجـــسد

ينأى أفرام بعيدًا عن النزعات الأفلاطونية أو الثنائية مما يميّز بعض التيارات في الزمن المسيحي المبكّر. هؤلاء سعوا إلى الطعن في قيمة الجسد. نقطة الإنطلاق في موقفه الإيجابي أن الجسد هو جزء من خليقة الله، وبالتالي لا يجوز احتقاره، حتى لا نقول اعتباره شرّاً بحال.غير أن لأفرام بشأنه ثلاثة اعتبارات أخرى مهمة.

أولا بديهية الكتاب المقدس نفسه : في تعليق أفرام على رسالة كورنثوس الأولى(19:6) "أما تعلمون أن أجسادكم هي هيكل الروح القدس الساكن فيكم"، يشير إلى الكرامة التي أسبغها الله نفسه على الجسد إذ جعله "مسكنًا وموطناً للثالوث" (التعليق على الرسائل البولسية). ويستطرد فيورِد قول إنجيل يوحنا(23:14): "إن أحبني أحد يحفظ كلامي ويحبه أبي، إليه نأتي وعنده نصنع منزلاً". ثم بعد ذلك يقول، في تعليقه على 2 كورنثوس 5، إنه " كما استأهلت أجسادنا أن تكون مقرًا لروحه، كذلك يجعلها مستحقة في النهاية لأن تلبس المجد الأبدي". وفي مكان آخر يتحدث عن الجسد البشري من حيث إنه قد صار هيكلا جديدًا لله، عوض الهيكل على جبل صهيون( الهرطقات 4:42).

ثانيًا، إن كون الله قد "لبس جسدًا" ( الميلاد2:9وغير مكان) يدل على أنه ليس شيء نجسًا أو عديم القيمة في الجسد. ففي المقطوعة التالية، يجادل فئة من المسيحيين يتمسكون بالقول أن الجسد نجس لكنهم يقبلون سر الشكر:

لو كان ربنا قد احتقر الجسد

باعتباره نجسًا أو مكروهًا أو فاسدًا،

لكان يجب أن يكون الخبز المقدس وكأس الخلاص، لهؤلاء الهراطقة،

يفاجَأ حديث العهد بشعر القدّيس أفرام، للحال، بغنى تصاويره. هنا يكفي أن نبرز قليلاً من صوره المفضّلة.

الألوهة كنار

غالباً ما يصف أفرام الألوهة كنار؛ على ذلك في التجسّد "دخلت النار حشا مريم، ولبست جسداً ثمّ خرجت" (الإيمان 2:4). النار "رمز الروح القدس" (الإيمان 10:40). وفي سرّ الشكر، "الروح القدس هو في الخبز المقدّس، والنار في الخمر" (الإيمان 8:10). في ذبائح العهد القديم، نزول النار من السماء كان علامة الرضى الإلهي (1 ملوك 38:18؛ الإيمان 13:10). بينما في سرّ الشكر "نار المراحم أضحت ذبيحةً حيّةً من أجلنا"، وهي نار نحن، في الواقع، نساهمها (الإيمان 13:10).

هذه النار الإلهيّة لها ميزة مزدوجة، فهي قادرة

على أن تقدّس وأن تدمّر:

مباركون أنتم، يا إخوتي،

لأنّ نار الرحمة نزلت

فالتهمت خطاياكم

وطهّرت وقدّست أجسادكم (الظهور الإلهي 10:3).

الميزة المزدوجة لعمل النار تتمثّل أيضاً، في غير إطار، في استعمال أفرام للاستعارة من علم المعادن، متناولاً بالكلام موضوع الآتون. مثال ذلك:

ليكشف لكم أيوب قحة الشيطان

كيف يسأل ويتوسّل إلى الأحد العادل

مستأذناً ليمتحن أذهانكم في آتون التجارب.

هذا ما قاله الكائن المقيت:

لم يسبق للفضّة أن جُرّبت من دون نار

إذ ذاك يخزى الباطل، وما هو حقّ ينال

ما يستحقّه من مديح (الفردوس 11:12).

اللباس

لعلّ آلَف صور أفرام تلك التي لها علاقة بلبس الثياب وخلعها. فبواسطة صور اللباس يقدّم أفرام، لقرّائه، لوحة متماسكة عن تاريخ الخلاص. تعبيره المفضّل عن التجسّد، في هذا الإطار، هو "لبس جسداً" (تماشياً مع المعنى القديم للفظة السريانيّة esarkothe التي تقابل لفظة "تجسّد" في دستور الإيمان النيقاوي).

الحبل والولادة

وثمّة صورة أخرى مألوفة جداً عند القديس أفرام هي الحبل والولادة. ولعلّ تكرار هذه الصورة عنده إشارة إلى موقف مميّز له من النساء وفهمه لهنّ. يتماشى هذا والتأكيد الذي يميّز المسيحيّة السوريّة المبكّرة للمعموديّة كميلاد جديد بدل أن تكون موتاً وقيامة، باعتبار النموذج اليوحنّائي في مقابل البولسيّ.

العين والنور والمرآة

أفرام، كما يبدو واضحاً، كان مأخوذاً بالمرايا - لا المرايا الزجاجيّة التي نعرفها اليوم، بالمرايا المعدنيّة التي كان يجب حفظها ملمّعة لتعكس الضوء وصورة المتطلّع فيها. استعمال صور المرآة والنور والعين سمح لأفرام بسبر عالم البصريّات في شأن الإدراك الروحيّ.

التصوير الطبيّ

التصوير الطبيّ مألوف، طبعاً، في الكتاب المقدّس، لكنّه عرف بين يدي أفرام تطوّراً كبيراً يحتاج إلى دراسة خاصّة. هنا أشير فقط إلى تلقيب المسيح بـِ "الطبيب الحكيم" أو "الصالح" وبحامل "دواء الحياة"...

رسوم أخرى

كذلك نلقى الصور المستقاة من عالم الزراعة والرماية والإبحار والتجارة والسفر، وسائر مجالات الحياة الأخرى، أقول نلقاها في كلّ موضع في أناشيد أفرام. ولعلّ فيض هذه الرسوم المستمدّة من الحياة اليوميّة في شعره هي السبب في أن شعره يحتفظ بنضارة وفوريّة مميّزة حتّى بالنسبة للقارئ العصريّ.

ولا بدّ أخيراً من ملاحظة ميزة غير متوقّعة في كتابات أفرام، هي روح الدعابة لديه. هذه يستغلّها، في العادة، بأسلوب الانتقاص الذاتي، خصوصاً في بعض المقاطع الأخيرة من شعره، كما في خاتمة أحد الأناشيد الجميلة عن سرّ الشكر:

اطّلع، ربّي، فإن حضني قد امتلأ من فتات

مائدتك،

لم يعد هناك موضع بين ثنايا ثوبي

فأَمسِكْ عنّي عطيتك إذ أعبد لديك،

احفظها في مخزنك مهيّأةً لتعطينا

إياها في مناسبة أخرى (الإيمان 22:10).

صيغ الكشف الذاتي الإلهي الثلاث

إذا لم يكن بإمكان العقل البشريّ المخلوق أن يجتاز الهوة الكيانيّة القائمة بين الخالق والمخلوق فكيف تمكن معرفة أي شيءٍ عن الله؟ جواب أفرام هو أنّه لا شيء البتة كان ممكناً لو لم يأخذ الله نفسه المبادرة ويعبر الهوّة ليعلن عن نفسه لخليقته بطرق مختلفة:

لو لم يرغب الله في الكشف عن نفسه لنا

لما كان هناك شيء في الخليقة

قابلاً لبسط أي شيء واضح بشأنه (الإيمان 7:44).

في رأي أفرام بإمكاننا أن نبرز ثلاث طرائق رئيسيّة تتحقق بواسطتها سيرورة الإعلان الذاتي الإلهي هذه: من خلال النماذج types والرموز الموجودة في الطبيعة والكتاب المقدّس معاً. من خلال "الأسماء" أو الإستعارات التي يسمح الله باستعمالها في الكتاب المقدّس. وبصورة خاصّة، بالطبع، من خلال التجسّد الإلهي.

فالنماذج types والرموز هي بمثابة مؤشّرات. ففي إطار المنظور البشري الذاتي، يمكن اعتبار النموذج أو الرمز إعلاناً عن ميزةٍ ما من ميزات التواري الإلهي (بغضّ النظر عما إذا كان ممكناً لهذه الميزة أن تُستعلَن بصورة أكمل في المستقبل). إلاّ أنّه يبدو في إطار المنظور الإلهي الموضوعي أن الحاصل هو العكس: فثمة ميزة من ميزات الحقيقة الإلهيّة تتوارى في النموذج أو الرمز. يستعمل أفرام جملة من المفردات (بما فيها اللفظة اليونانيّة tupos)، ولكنّه يستعمل بالأكثر لفظة Raza (جمعها Raze) التي تعني "خفيّ، سرّ، رمز". فالرمز والحقيقة (Shrara) مترابطان بشكلٍ حميميّ لأن الرمز أو Raza ينطوي على "القوّة الخفيّة" أو المعنى (hayla kasya) الذي للحقيقة. يشترك أفرام في هذا الفهم "الراسخ" للفظة "رمز" والعديد من الآباء الروم Greek واللاتين. هذا ويجب التأكيد أن هذا الفهم للرمز يختلف كثيراً عنه في الإستعمال الشائع اليوم حيث يتباين الرمز بحدّة في العادة وما يرمز إليه. وإنّه لأمر ذو مغزى أن جمع لفظة Raza (Raze) أو "أسرار mysteries" هي اللفظة المستعملة في السريانيّة، عادة، لأداء كلمة أفخارستيّة (مقارنة باللفظة اليونانيّة ta mysteria).

من هنا يبدو بوضوح أن فهم أفرام الأكيد لماهيّة الرمز هو الذي يقوده إلى اتخاذ موقف إيجابيّ جداً من الحمّالتين الأساسيتين للرموز، النص الكتابي (وخاصة العهد القديم) والعالم الطبيعي المحيط به. فالكتاب المقدّس والطبيعة (ktaba and kyana) يشكّلان، بالفعل، شاهدين لله، كما هو مطلوب في الشريعة اليهوديّة (يوحنّا 17:8)، فهما:

الشاهدان اللذان يمتدان إلى كلّ مكان،

والموجودان في كلّ آن

والحاضران في كلّ لحظة

يبكّتان غير المؤمن المتنكّر للخالق (الفردوس 2:5)

حيثما أدرت عينيك، هناك وجدت رمز الله

ومهما قرأت، هناك وجدت نماذجه (العذرية 12:20).

بالنسبة لأفرام، كلا الكتاب المقدّس والخليقة يطفح برموز الله وأسراره، الرموز التي يمكن أن تشير عموديّاً إلى كيانه الثالوثيّ أو أفقيّاً إلى ابنه المتجسّد.

على أنّ الله، في الكتاب المقدّس، لا يكشف شيئاً من نفسه بواسطة الرموز وحسب، بل يلبس لغة البشر أيضاً، "يلبس الأسماء"، كما يعبّر هو عن ذلك غالباً. أكثر هذه الأسماء مجرد استعارات مستقاة من أحوال الناس. أفرام يرى في هذا التدبير تنازلاً هائلاً من قِبَل الله الذي انحدر ليلقى البشريّة على أرضها، في لغتها الخاصّة. إلا أن أفرام يصرّ على انّه لا يجوز لنا، من ناحيتنا، أن نسيء استعمال هذا اللطف وفهم هذه "الأسماء" أو الاستعارات فهماً حرفيّاً.

أخيراً، عندنا أكملُ كشف ذاتيّ لله في التجسّد إذ يلبس الله الكلمةُ "جسداً بشريّاً"، ويأتي بالتجسّد في لغة الناس، كما كان الحال سابقاً في العهد العتيق، إلى ذروة لائقة:

إن عظمة الله التي تلبّست بكلّ أنواع

الاستعارات

رأت أن البشريّة لم تُرد أن تلقى الخلاص

عبر هذا السند،

فأرسل الله ابنه الحبيب الذي استعاض عن

المجازيّة المستعارة

التي لبستها عظمة الله قبلاً،

بلبس أعضاءٍ حقيقيّة، كبكر،

واختلط بالناس:

أعطى ما يخصّه وأخذ

ما يخصّنا

حتى بهذا الاختلاط يُحيي حالنا المائتة (الهرطقات 9:32).

الشروط المسبقة للبحث اللاهوتي

اللاهوت كغيره من الحِرَف الفكريّة، يمكن أن يتّخذ إحدى صيغ ثلاث، باعتبار الموقف الذهنيّ للشخص الذي يشرع في البحث. بالدرجة الأولى، يمكن للعقل أن يتوخّى السيطرة وإخضاع موضوع البحث لذاته. هذا الموقف هو ما يميّز الكثير من البحث العلميّ وغيره من أنواع البحث منذ أيام فرنسيس باكون. أفرام، عن صواب أو عن خطأ، يرى، في هذا الموقف، أساساً اعتمده العديد من المفكّرين "الهراطقة" في زمانه. في ميدان اللاهوت، بصورة خاصّة، مثل هذا الصَلَف العقلانيّ مقيت لدى أفرام تماماًً.

وثمّة منحى آخر يتخذ ما يبدو أوّل الأمر انّه صيغة مقبولة أكثر من سابقتها، وهي الصيغة النموذجيّة للكثير من البحث اللاهوتيّ اليوم. هنا يشرع العقل في دراسة موضوع البحث بطريقةٍ حياديّة و"علميّة" قدر الإمكان. وهذا منحى مثمر جداً في العديد من الأوساط وقد جرّبه أفرام، على ما ألمح، لكنّه وجده ناقصاً:

أعدني إلى تعليمك، ربّي: أردت أن أقف إلى الوراء

لكنّي رأيت أن هذا الأمر يزيدني فقراً. فالنفس

لا تحصّل فائدة تذكَر

إلاّ من خلال الحديث إليك (الإيمان 1:32).

المنحى الثالث الذي اعتمده أفرام هو منحى الالتزام، الالتزام قبل كلّ شيء بالحبّ والدَهَش. ففيما ينطوي المنحى الثاني على حركة باتجاه واحد من العقل إلى موضوع البحث، فإنّ المنحى الثالث هو عمليّة باتجاهين، التفاعل فيها متواتر فقط من خلال مثل تفاعل الحبّ هذا يمكن للمعرفة البشريّة للحقيقة الإلهيّة أن تنمو. بهذا المعنى يتابع أفرام كلامه في النشيد الآنف الذكر فيقول:

كلّما تأمّلتُ فيك، ربّي،

اقتنيتُ منك كنزاً حقيقيّاً.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com