عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

1/8/2009
افرام السوري_القسم الثاني سبستيان بروك

 من حيث أنها تتفادى الاتهام بالخصوصية أي أن يكون عمل المسيح محدودًا باعتبارات الزمن التاريخي والمكان الجغرافي. إن الغرض من عقيدة نزول المسيح إلى الجحيم هو بالضبط أن يبين أن التجسد يؤثّر في كل الزمن التاريخي وفي كل المكان الجغرافي. لتحقيق هذا الأمر، لا بد من الحديث بلغة الزمن المقدس والمكان المقدس، وبالتالي لا يمكن وضع النزول إلى الجحيم إلا بطريقة قصصية شعرية، الشيء الذي يؤدّيه أفرام بدينامية كبيرة في النصف الثاني من منظومته النشيدية النصيبية.

المنطلق الثاني لأهمية مفهوم الزمن المقدس في فهم فكر أفرام يختص بالتوتّر بين الخبرة المسيحية لسريّ المعمودية والشكر في الزمن التاريخي وتحقيقهما الكامل في الزمن الأخروي. وبما أن الحياة الفردوسية في الزمن الأخروي تنتمي إلى الزمن المقدس، فإنه من الممكن للأفراد أن يختبروها، مسبقًا في الزمن التاريخي على الأرض، ولكن بدرجات متفاوتة.

الواحد  والكثرة                                   

إن الحرية، التي بها يمتزج ما هو فردي بما هو جماعي والعكس بالعكس في الفكر السامي، أمر مألوف لدارسي العهد العتيق. هذه الطريقة في التفكير سارية تمامًا في كتابات أفرام، خاصة عندما يتحدث عن آدم: "آدم" عند أفرام يمكن أن يشير إلى الفرد، كما في رواية التكوين، ويمكن أن يشير إلى الجنس البشري بعامة، أو حتى لهذا وذاك بالتتابع. آدم هو كل رجل. إشارة الرسول بولس إلى المسيح باعتباره "آدم الأخير" (كور45:15) تتّخذ، بهذا المعنى، مغزى خاصًا بالنسبة لأفرام: ففي عدد من المناسبات يتحدث بتخصيص عما لبسه الكلمة في التجسد أنه "جسد آدم المائت" وعن "جسد آدم الذي ينتصر في المسيح" (الصلب11:5). أو قد يستعمل أفرام لفظة "آدم" ليربط فعل التجسد بالزمن الأول والإسخاتولوجي معًا:

مبارك الذي لبس آدم

فجعله يرتكض ويعبر

على الخشبة إلى الفردوس.

والتوتّر الخلاق إياه، بين الفردي والجماعي، تمكن ملاحظته في فهم أفرام للعلاقة بين المسيحي كفرد والكنيسة. الكنيسة هي التي جرت خطبتها إلى المسيح في المعمودية في الأردن، فيما نفس الفرد هي المخطوبة في كل احتفال معمداني مسيحي.

نمط الخلاص

لقد كان خلق آدم وحواء(البشرية) في حال وسطى، لا هما مائتان ولا خالدان، فكانت ممارستهما لإرادتهما الحرة في الامتناع عن الأكل من ثمرة شجرة المعرفة هي التي حسمت الأمر. فلو حفظا الوصية (وأفرام يؤكّد كم كانت بسيطة)، لكان الله كافأهما لا بإعطائهما ثمرة شجرة المعرفة وحسب، ولكن ثمرة شجرة الحياة أيضًا، ولجُعلا خالدين وأُلِّها. غير أن واقع الحال أنهما أخفقا في حفظ الوصية، فطُردا من الفردوس وأُخضِعا للموت الذي يعتبره أفرام خلاصًا رحمانيًا من التبعات الرهيبة لعدم الطاعة. 

من هنا أن تدبير الله كان توفير الواسطة لإعادة آدم/البشرية إلى الفردوس، مع الإستمرار في توقير هبة حرية الإرادة التي منحها للبشرية. ولكن لم يكن الله ليرغب في عودة البشرية إلى الحال الأولية الوسطى في الفردوس. في الفردوس الأخروي، ما ينتظر البشرية هو هبة الألوهة من شجرة الحياة، وهي ما قصده الله لآدم وحواء أصلاً. الفردوس الأولي والفردوس الأخروي ينتميان كلاهما إلى الزمان والمكان المقدسين، فهما موجودان أبدًا وموصولان مباشرة بنمط الخلاص المقدّم لكل كائن بشري. أما الطرد من الفردوس فيمثل الإنتقال من الزمان والمكان المقدسين إلى الزمان والمكان التاريخيين، أي الدخول إلى العالم الساقط للمكان الجغرافي والزمان التاريخي اللذين نحن عارفون بهما جيدًا.

هذا ويلاحظ أفرام النمط التفصيلي لتكامل سيرورة السقوط وسيرورة الإستعادة: كل التفاصيل بشأن السقوط يصبح معكوسًا بحيث يعرض علينا سلسلة من النماذج المتخالفة على رأسها آدم والمسيح، وحواء ومريم. يتّصف تاريخ الخلاص، والحال هذه، بكونه سيرورة استشفائية تمتد، في آن، إلى الوراء لتبلغ الزمن الأولي، وتنزل إلى أعماق حالة السقوط البشري. ففي التجسد، لا يلبس الله الكلمة "آدم" و"جسد آدم" وحسب، بل "جسدنا" و"البشرية" و"حالنا الضعيفة" أيضًا.

إن نمط التكامل يبدأ باستجواب مريم، بحكمة، للملاك، في مقابل إخفاق حواء، بغباء، في استجواب الحية. هذا التباين التراثي، بين طاعة مريم وعصيان حواء، ولّد لدى أفرام صورة الشيطان وهو يسكب السّم في أذن حواء. في مقابل ذلك توصف مريم بأنها حبلت عبر الأذن:

كما أنه عبر الحشا الصغير لأذن حواء

دخل الموت وتدفّق

كذلك من خلال الأذن الجديدة لمريم

دخلت الحياة وتدفّقت.

نمط التكامل هذا يصبح مترابطًا بإحكام في الآلام، كما تبيّن هذه الأبيات:

في شهر نيسان سدّد الرب

ديون آدم الأول ذاك:

أعطى في نيسان أعراقه في مقابل أعراق آدم

وأعطى عن شجرة آدم الصليب

اليوم السادس من الأسبوع قابل اليوم السادس للخليقة.

كذا كان عند "هبوب ريح النهار" (تكوين8:3).

أنه أعاد اللص إلى عدن (الكنيسة8:51).

أو على نحو أكثر تفصيلا:

ربنا أخضع قوته فأمسكوه

يعطي موتُه المحيي الحياة لآدم.

أعطى يديه لتخترقها المسامير

ردًا على تلك اليد التي قطفت الثمرة؛

ضُرب على الخد في قاعة المحاكمة

ردًا على ذاك الفم الذي التهم [الثمرة الحرام] في عدن،

لأن آدم انزلقت قدمه،

سُمِّرت قدما [السيد].

نُزِعت ثياب ربّنا لنلبس

نحن باحتشام؛

بالمر والخل حلّى

مرارة السم الذي أنفذته الحية

في الجنس البشري. (نصيبية1:36)

النمط إياه طُبِّق على القيامة :

قبر المسيح والبستان هما رمز عدن

حيث مات آدم ميتة مستترة،

لأنه فرّ وأخفى نفسه بين الشجر

كما لو دخل قبرًا وبه تغلف.

الأحد الحي، الذي أودع القبر،

نهض الآن في الحديقة

وأنهض آدم الذي سقط في البستان:

من قبر البستان أتى المسيح بآدم في مجد

إلى حفل الزواج في حديقة الفردوس.(الصلب 13:8).

الإرادة الحــــرة

تلعب الإرادة الحرة في فكر أفرام دورًا بالغ الأهمية. ثمة نشيد له فيه القرار التالي :"أيها الرب، لقد عظّمت الجسد الصغير أكثر من سائر المخلوقات إذ أسبغت عليه الإرادة الحرة". وكما سبق فرأينا، خلق الله آدم في حال وسطى لكي يكافئه بحال أسمى لو اختار، بملء إرادته الحرة، أن يحفظ الوصية:

لم يكن الواحد العادل ليُسرّ بإعطاء آدم الإكليل

من دون مقابل،

مع أنه سمح له أن ينعم الفردوس بلا تعب.

عرف الله أنه لو أراد آدم لقدر أن يحظى بالمكافأة.

هذا كان لأن العادل الأحد رغب في تعزيزه،

فإنه ولو كانت مرتبة الكائنات العلوية عظيمة

بالنعمة،

فإن الإكليل الممنوح للإنسان عن حسن استعمال إرادته الحرة

ليس بأقل منها. (الفردوس 8:12).

بسبب سوء استعمال آدم إرادته الحرة قُذف من الفردوس، وبفضل حسن استعمال القديسين لهذه الموهبة كوفئوا:

مبارك الذي حاك الوصايا

لكي يكون للإرادة الحرة أن تتكلّل بها؛

مبارك الذي أكثر الأبرار،

الشهود الذين أذاعوا بالإرادة الحرة. (الكنيسة9:3)

لقد كان بإمكان الله أن يُجبرنا على إرضائه ولا يزعج نفسه. لكنّه جهد بكلّ الطرق ليتيح لنا أن نسلك في مرضاته عن إرادة حرّة منّا (الإيمان 5:31).

جيل نوح أعطى أفرام ممثلاً ممتازاً لحسن أو إساءة استعمال الإرادة الحرّة:

خذ نوح مثلاً: قادر هو على تبكيت

معاصريه برمّتهم، لأنهم لو رغبوا

لكان بإمكانهم هم أيضاً أن يزدهروا،

لأنّ قوّة إرادتنا البشريّة الحرّة

كانت واحدة فيهم وفي نوح. (الكنيسة 9:3).

وليس نشاط الإرادة الحرة محصورًا في المجال الخلقي، فإنه وقف علينا بالكلية أن نستجيب لمختلف أشكال إعلان الله عن نفسه: "إرادتنا الحرة هي مفتاح كنزنا"(الكنيسة 5:13).

الإرادة الحرة نصيب كل واحد منا بالمقدار عينه، ولو لم تظهر بوضوح في أولئك الذين استعبدوا أنفسهم بأنفسهم للخطيئة. هذا الأمر يفسره أفرام مستعينًا بمقاربة طبيّة:

إن طبيعة إرادتنا الحرة هي إياها في كل واحد:

فلو كانت قوتها ضعيفة في الواحد، لكانت ضعيفة في الجميع،

ولو اشتدّت في الواحد لكانت كذلك في الجميع.

طبيعة الحلاوة تبدو حلوة لمن كان في صحة جيدة،

وتبدو مُرّة لمن كان مريضًا؛ كذلك بالنسبة للإرادة الحرة:

مريضة ًتكون للخطأة ومعافاة للأبرار.

متى أراد أحد أن يفحص طبيعة الحلاوة

فهو لا يفحصها أو يجربها في أفواه من اعتلّوا:

بل الفم المعافى هو الذي يوفّر الآتون

لاختبار الأذواق.

أيضًا متى رغب أحد في امتحان قوة الإرادة الحرّة

فلا يمتحنها في النجس، المعتلّ في أفعال بشعة؛

كلا، بل الإنسان الطاهر، المعافى، هو الذي يمدّنا

بالآتون الذي فيه نختبر ذلك.

ولو كان المريض ليقول لك أن طعم الحلاوة

مرّ، فالحظ مقدار ما نمت عليه علّته،

حتى أساء إلى الحلاوة التي هي

مصدر المباهج.

أيضًا لو قال لك بعض النجسين

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com