عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

1/8/2009
القديس افرام السوري القسم الاول_سبستيان بروك

القدّيس أفرام السوري: منحاه اللاهوتي +

نقله عن الإنكليزية أحد رهبان عائلة الثالوث القدوس

                                                    +   سبستيان بروك

{هو أهم الأرثوذكسيين العاملين على التراث

السرياني وله عدد كبير من الكتب والمقالات في هذا الموضوع }

الشّاعر كلاهوتيّ

تبدو فكرة الشاعر كلاهوتيّ، لكثيرين، تناقضاً في التعبير: فقد يتعاطى الشعراء الموضوعات اللاهوتيّة، لكننا لا نتوقّع أن يعبّر اللاهوتيّون عن رؤيتهم بالشعر. إذا ما كان من خسارة هنا فنحن الخاسرون لأننا، لقرون خلت درسنا فيها اللاهوت، كثيراً ما ضيّقنا على أنفسنا في ما اعتبرناه طرق البحث اللاهوتي، كما لم نفطن للقول المأثور الذي تفوّه به أحد صغار معاصري القدّيس أفرام، أفاغريوس، الذي كان قدّيسنا ليوافقه الرأي عن طيب خاطر لمّا قال: "إذا كنت لاهوتيّاً فستصلّي بحق، وإذا صليّت بحق فأنت لاهوتيّ". على هذا لا نستغربنّ إذا ما وجدنا لاهوتاً جيّداً في شاعر كأفرام لأنه درج بوضوح على "الصلاة بحقّ".

موقف القدّيس أفرام هو بمثابة ترياق طالما احتجنا إليه، ترياق لذلك النهج الذي انشغل اللاهوتيّون، في إطاره، بالتحديدات اللاهوتيّة، horoi باليونانيّة، أي الحدود. بالنسبة لأفرام، ليست التحديدات اللاهوتيّة خطرة، من حيث الإمكان، وحسب، بل يمكنها أن تكون تجديفاً أيضاً. بإمكانها أن تكون خطرة لأنّها إذا ما وفّرت حدوداً معيّنة، فقد يكون لهذه االحدود تأثير قتّال ومفعول تحجيري fossilizing في فهم الناس لموضوع البحث الذي ليس، في نهاية المطاف، سوى الخبرة الإنسانيّة لله. كذلك بإمكان التحديدات العقديّة، في رأي، أفرام، أن تكون، عمليّاً، بعض تجديف لأنّها تمسّ سمة من سمات الكيان الإلهي. فإذ يحاول المرء أن "يحدّد" الله يكون، فعليّاً، قد سعى إلى احتواء من لا يُحتوى، وأن يَحدَّ من لا يُحدّ.

ولمّا كان أفرام قد عاش في زمنٍ كانت النظرة فيه إلى الآريوسيّة، بمختلف أشكالها، أنها مصدر أولي للخطر على الكنيسة، فإنّ الكثير مما أثاره أفرام حول الموضوع يركّز على ولادة الابن أزليّاً من الآب. فالذين جعلوا هذه الولادة داخل الزمن، وبالتالي لجهتنا نحن من الهوّة الكيانيّة القائمة بين الخالق والمخلوق، أمكنهم أن يعالجوا الموضوع باعتبار أن العقل البشريّ المخلوق قادر على التحقيق فيه. بالنسبة لأفرام، وللأرثوذكس بعامة، هذا تجديفٌ مزدوج: فإنّ الأفرقاء الآريوسيين لم يجعلوا الإبن في الجهة المغلوطة من الهوّة الكيانية وحسب، بل انساقوا، بفعل هذا الضلال الأصلي، إلى محاولة التحديد العقلاني لولادة الابن من الآب.

ولكن إذا ما بدت "التحديدات" الإيمانيّة وكأنّها تحصر الله الذي لا يُحدّ، ضمن حدود معيّنة، فكيف يجب على اللاهوتيّ أن يطرح الموضوع؟ إنّ البحث عن تحديدات لاهوتيّة- وهذا ميراث أُخذ عن الفلسفة اليونانيّة- ليس، بحال، السبيل الوحيد للاستطلاع اللاهوتي. فموقف أفرام، المغاير تماماً لهذا الموقف، يعتمد التخالف Paradox والرمزيّة أسلوباً. لذا يبدو الشعر كأداة أوفق من النثر، من حيث أن الشعر أكثر قابليّة على حفظ الديناميّة الأساسيّة والانسياب اللذين يميّزان هذا الموقف اللاهوتيّ.

كيف لا يتحرّك لاهوت التخالف؟ لتمثيل التباين، بطريقة بسيطة، بين ما يمكن تسميته الموقف الفلسفي من اللاهوت، بما في ذلك بحثه عن التحديدات، والموقف الرمزيّ، بإمكان المرء أن يتصوّر دائرة ونقطة في مركز الدائرة تمثّل السمة الإلهيّة موضع البحث. فالموقف الفلسفيّ يهتمّ بإبراز هويّة هذه النقطة ومكانها، بكلام آخر بتحديدها، بإقامة حدود لها. هذا فيما لا يسعى الموقف الرمزيّ إلى شيء من هذا. بالأحرى يمدّنا بسلسة من الأزواج Pairs المتخالفة، واضعاً إيّاها في نقاط متقابلة على خطّ الدائرة. هذا فيما تُترك النقطة المركزيّة من دون تحديد، لكنّ بعضاً من طبيعتها وحركاتها يُستَخلصُ عبر وصل النقاط المتقابلة والتخالفات المتباينة على خط الدائرة. النهج الأوّل يبدو وكأنّه يوفّر فهماً جامداً للنقطة المركزيّة، فيما يعرض لها النهج الأخير فهماً ديناميّاً بصورة أساسيّة.

بين أفضل ما لأفرام من التخالفات Paradoxes كلامه على التجسّد، كمثل المقولات التالية: "العظيم الذي أضحى وضيعاً" . "الغني الذي أضحى فقيراً". "المخفيّ الذي أعلن عن نفسه". دونك مثلاً كيف يحاول أن ينقل بعضاً من سرّ ولادة الكلمة الإلهي من مريم: (أفرام يوجّه كلامه إلى المسيح أوّلاً)

أمّك علّة تعجّب: ولجها السيّد فأضحى عبداً؛ ذاك الذي هو الكلمة دخل فلزم الصمت في داخلها؛ الرعد دخل فيها فلمّا يحدث ضجّة؛ إلى هناك دخل راعي الجميع فأضحى فيها حملاً ثغا لما خرج منها.

حشا أمّك قَلَبَ الأدوار:

فمؤسس الكلّ دخل بكلّ غناه

لكنّه خرج فقيراً؛ المُمجًّد ولجها

لكنّه خرج وديعاً؛ البهيّ حلّ فيها

لكنه طلع منها لابسًا حلة وضيعة.

القدير دخل فلبس انعدام الأمان من حشاها.

مموّن الجميع دخل فاختبر الجوع؛ ذاك الذي يسقي الجميع دخل فاختبر العطش؛ عـريانًا مجردًا أتى منها ذاك الذي يستـر عري الجميع. (الميلاد 6:11-8)

بعض المفاهيم والموضوعات الأساسية

في كتابات أفرام يلقى المرء عددًا من المفاهيم الأساسية والموضوعات المتكررة التي نحتاج لأن نكون على بيّنة من البعض منها منذ البدء لأنها بمثابة مبادئ للغته اللاهوتية.

الخالق والخليقة

يدرك أفرام أن الفصل حاد بين الخالق والخليقة. في أحد أناشيده عن الإيمان(11:69) يتحدث عن هذه الفجوة الكيانية كهوّة، وهو بذلك يعكس التعبير الوارد في مثل لعازر والغني (لوقا 26:16). على امتداد هذه الهوّة "ما هو مصنوع لا يمكنه أن يصل إلى صانعه" (الإيمان 30:2). هذا معناه أنه ليس لدى "الطبائع" المخلوقة ما تقوله بشأن الطبيعة الإلهية.

 على أن الوضع المحدد لهذه الهوّة بين الخالق والخليقة كان، في القرن الرابع، كما رأينا، موضع خلاف. يجعل أفرام موضع الكلمة الإلهي في جهة الخالق من هذه الهوة الكيانية، فيما تنتمي الكائنات الملائكية، جنبًا إلى جنب والكائنات الأرضية، إلى جهة الخليقة.

يرتبط بهذا الإدراك بشأن عجز أي من المخلوقات عن عبور هذه الهوّة إلى الخالق تسليم، يشترك فيه أفرام وعدد من الآباء، مؤدّاه أن العقل الذي يقتني معرفة شيءٍ ما ينبغي أن يكون أعظم من مادة معرفته. على أساس هذا الفهم للأمور، كل من يدعي إمكانية معرفة الله، وبالتالي وصفه، فكأنه يقول أن العقل البشري قادر على "احتواء" الله الذي لا يحتويه شيء. من هنا نفور أفرام من محاولات استقصاء (aqqueb) أو تفحص (b s a) طبيعة الله.

 كل من كان قادر على استطلاع أمر ما

أضحى حاويًا لما يستطلعه؛

إن معرفة تفضي إلى احتواء الكلي المعرفة

تكون أعظم منه،

لأنها قادرة على قياسه بجملته.

عليه فإن إنسانًا يستطلع الآب والإبن

لهوَ أعظم منهما!

وحاشا أن يكون الأمر كذلك وأناثيما

أن يكون الآب والإبن موضع استطلاع،

فيما يتعظّم التراب والرماد! (الإيمان16:9).

إن تحذيرات أفرام المتكررة من "استقصاء" و"تفحص" التواري الإلهي يجب ألا تسوقنا إلى اعتباره معاديًا لما هو عقلاني. كلا البتة، فالعقل البشري، كما يراه هو، له مجال تحرك واسع في دائرة الخليقة، حيث يتمثل دوره في البحث عن نماذج ورموز ميسرة تعينه على فهم الحقـيقة الإلهية. فقط عندما يسعى العقل إلى عـبور الهوة الكيانية يستأهل الشجب. فالنطاق الموافق للاستطلاع العقلي محدود بالمواضع التي أظهر فيها الله نفـسه في العالم المخلوق، في المعلَنات. من هنا قول أفرام في أحد نشائد الإيمان(9:8):

 ثمة استطلاع عقلي في الكنيسة

يستقرئ ما سبق إعلانه:

لم يكن العقل ليتفحص المخبوءات.

ويأتي هذا بنا إلى موضوعـنا التالي: التوتر المبدع في استعمال أفرام المتزايد لتعبيري"المعلَن" و"المخبوء".

المخبوء والمعـلن

إن استعمال أفرام لإحدى هاتين اللفظتين، "المخبوء" و"المعلَن"، مؤشر على اعتماده واحداً من منظورين مختلفين تمام الاختلاف. فهو بالأحرى يستعين بما يمكن تسميته"المنظور البشري": الله مخبوء إلا بقدر ما يكشف هـو عن نفسه. هذه الخبرة البشرية للتواري الإلهي (kasyuta) ممكنة فقط من خلال ما يكشف هـو به عن نفسه. بالنسبة للمخلوق، اختبار الإعلانات الذاتية لله، على تفاوتها، الواحدة بعد الأخرى، لا يمكن إذا ما ضُمّ بعضها إلى البعض الآخر أن يؤول إلى إعلان كامل للتواري الإلهي؛ فالكشف جزئي أبدًا. هذا معناه أن المنظور البشري ذاتي الطبع بصورة أساسية: كل فرد إنما يقرب تواري الله عبر مجموعة مميزة من نقاط الكشف (galyata).

غني عـن القول أنه في التجسّد، صار إعلان التواري الإلهي للبشرية على أكمل ما يكون، مع أن الألوهة، حتى في التجّسد، حافظت على تواريها.

مَن الذي لا يؤدي الشكر للإله المخبوء، أكثر الكائنات تواريًا، الذي أتى مفرِّجًا الإعلان الإلهي، وهـو أكثر الكائنات انفـتاحًا، لأنه لبس جسدًا وأحست به أجساد أخرى، مع أن العقول لم تدركه البتة. (الإيمان7:19)

أو بصورة مسهبة:

رباه، من يقدر أن يحدق في تواريك

الذي صار إلى كشف؛

بلى، قد اعتُلِنَت عتمتك

ولوحظت؛ كيانك المخفي خرج إلى الضوء، بلا حد.

ذاتك المرهوبة حصلت في أيدي من أمسكوك.

كل هذا جرى لك، ربي،

لأنك صرت كائنًا بشريًا.

فالسبح لمن أرسلك،

ولم يعتوره الخوف،

لأنه انكشف ظهورك

وكذا مولدك البشري،

فإن ولادتك من الآب باقية بمنأى من الناس

وقد حيّرت كل الذين نظروا فيها. (الإيمان2:51-3)

وعلى خط مواز ٍلهذا المنظور البشري، الذاتي، ثمة منظور آخر هو منظور الحق الإلهي (Shrara، qushta). هنا نقطة الانطلاق ليست الخبرة البشرية لله، بل كيان الله الفعلي (ituta) ذا الوجود الموضوعي، الممكن اختباره فقط بطريقة متوارية ذاتية. ليست النماذج (Types) والرموز نقاط كشف galyata من هذا المنظار، ولا حالات من الإعلان الإلهي الذاتي من خلال الخليقة المنظورة، بل لها تواريها الذي يشير إلى شيء ما سوف يستعلن في المستقبل: ما هـو "مخبوء" في رموز الطبيعة والكتاب المقدس ينكشف في المسيح، في التجسد: أما ما يبقى مخبوءًا في الأسرار فلسوف يستعلَن في آخر الدهور، في الفردوس.

في شعر أفرام يتحابك هذان المنظوران بشأن المخبوء والمعلن على نحو خلاق إلى حد بعيد. حالة التوتر التي يحافظ أفرام عليها ما بين هذين القطبين ليست سوى حالة توتر بين تسامي الله وإقامته فيما بيننا.

أولية الإيمان

 وثمة مسلمة أساسية أخرى عند أفرام مؤدّاها أنه فقط بالإيمان تقدر البشرية أن تقتني معرفة ما لتواري الله : "بالإيمان يكشف الله عن نفسه" (الإيمان 2:72). الإيمان شرط مسبق للفهم. وكما سنرى بعد قليل، الشرط المسبق لأي استقصاء لاهوتي هو الإيمان القويم مقرونًا بموقف دهش وحب.

الزمنان

هذا ليس موضوعًا يعالجه أفرام مباشرة، ولكن إذا ما كان لنا أن نفهم شعره حق الفهم فعلينا، أولا، أن نعي التمييز الضمني في أشعاره بين الزمن العادي، التاريخي، والزمن المقدس. هذا التمييز طبعًا، مألوف لدى طلاب الأنثروبولوجيا والدين المقارَن( وهو أساسي لفهم موافق لليتورجيا)، لكنه منسي، في الغالب، في مجتمعاتنا المعاصرة " المتقدمة".

فالزمن العادي خطي الطابع. كل نقطة فيه لها ما يسبقها وما يتبعها. أما الزمن المقدس فلا يعرف ما هو قبل وما هو بعد، فقط الآنية الأزلية. ما هو مهم بالنسبة للزمن المقدس هو مضمونه، لا موضعه الخاص في الزمن الخطي. هذا معناه أن الأحداث الحاصلة في نقاط مختلفة في التاريخ، والتي تشترك في المضمون الخلاصي ذاته- كمثل ولادة المسيح ومعموديته وصلبه ونزوله إلى الجحيم وقيامته- كل هذه الأحداث تتضافر معًا في الزمن المقدس لتجعل المضمون الخلاصي قابلاً لأن يتمحور حول أي من النقاط المتعاقبة في الزمن الخطي. هذا يفسّر، مثلاً، كيف أن معمودية المسيح، مع أنها تأتي قبل موته وقيامته في الزمن الخطي، جرى فهمها في التراث السوري المبكر باعتبارها أساسًا للمعمودية المسيحية . 

كذلك مفهوم الزمن المقدس مهم في نشائد أفرام من منطلقين آخرين:

أولاً: يلقي الزمن المقدس ضوءًا على فهم أفرام لمغزى نزول المسيح إلى الجحيم، أي للعالم التحتي للأموات. ففيما تشكل حياة المسيح المتجسدة على الأرض مدخلاً إلى المكان والزمان التاريخيين، في فلسطين القرن الأول، يتركز الاهتمام في النزول إلى الجحيم على الزمان والمكان المقدسين وحسب: هذا معناه دخول المسيح إلى الزمن الفائت والآتي معًا، وهو غير محصور في مدى جغرافي. النزول إلى الجحيم، والحال هذه، له أهمية بنيوية في رسم صورة للخلاص تعادل أهمّيتها أهمية الحياة الأرضية للمسيح، من حيث أنها تتفادى ال

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com