عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

25/7/2009
القديس انطونيوس الجزء الاخير

قراءة أنثروبولوجية للتجارب

على مثال يسوع الذي جُرِّب, فقد جَرَّبَ الشرير أنطونيوس ونحن معه التجارب الثلاث: "تجربة الخبز", و" تجربة المجد الباطل", و" تجربة السجود للشيطان".

رأينا أن أنطونيوس قد جرّبه الشرير في بداية نسكه بالطعام والمال والجنس وهذه كلها تتماشى مع تجربة يسوع الأولى, فالخبز يرمز إلى غريزة الامتلاك (Avoir), إذ إن الخبز رمز لكل ما هو مادي. (كيف أن الشعب العبراني كان يجمع المن والسلوى لا لحاجته اليومية فقط بل كضمان للمستقبل).

جرب الشرير أنطونيوس بالمجد الباطل مثلما جرب يسوع عندما حرضه على إلقاء نفسه إلى أسفل فيضطر الرب إلى أن ينقذه. إنها ترمز إلى غريزة الشهرة والنجاح والمجد الباطل (Valoir), ذلك بأن الرغبة في حمل الملائكة من يلقي نفسه هي رغبة في الظهور و السمعة الطيبة و مديح الناس.

56 - كان الرب يستجيب (لزائري أنطونيوس) من أجله. ولكن أنطونيوس لم يفتخر إذا استجاب الرب لطلبه, ولم يتذمر إذا لم يستجب له، بل كان يشكر الرب دائماً. (...) والذين نالوا الشفاء تعلموا ألا يشكروا أنطونيوس وإنما الرب"
هكذا لم يقع أنطونيوس في فخ المجد الباطل الذي يهدد جميع البشر, بل أصبح مثالا لجميع المسيحيين, إقتداءً بالمسيح الذي تحمل جميع ألوان الإهانات والاضطهادات.

وعلى مثال يسوع في التجربة الثالثة ُجِّرب أنطونيوس في الكبرياء (56) فكان متواضعاً جداً:

58 - ما هذا العمل عملي (...) فالشفاء عمل المخلص الذي يفعل رحمة في كل مكان"

فالتجربة الثالثة ترمز إلى غريزة التسلط على الآخرين لإخضاعهم (Pouvoir).

فالغرائز الثلاث هذه يستخدمها الشرير ليجرب الإنسان في علاقته بالأشياء, وأيضا بنفسه, وكذلك بالآخرين, فإنه يعرض عليهم قيماً ثلاث يبنون ويعتمدون عليها في حياتهم. وهنا نجد مادة للتمييز بين قيم الله وقيم الشرير.
لا شك أن ما كتبه القديس أثناسيوس في "سيرة أنطونيوس" لا يعني فقط حياة الراهب , بل يعني اختبار كل مسيحي, أيّا كان.

خاتمة

لقد تعمق أنطونيوس في قراءته كلمة الرب فساعدته حتى يفصل ويغربل بين ما هو من الله وما هو ليس منه. إن موهبة التمييز التي اكتسبها هي النعمة التي طلبها, على مثال سليمان, "هب عبدك قلبا فهما يميز بين الخير والشر" ( ملوك 1/ 9). أثناسيوس يعرض لنا تمييز أنطونيوس لا كفن نظري يجب درسه, بل كعطية من الروح القدس لابد من ابتغائها بالصلاة وترويض النفس. إن أنطونيوس ترك كلمة الله تلهمه وهي التي وهبته القوة لمحاربة إبليس. لقد تعلم كيف عليه أن يتعلق بالواهب أكثر من تعلقه بالهبة فلم يتركه الله في صراعه، بل قاده في مسيرته. لا نستطيع أن نستفيد من هذه الخبرة إن لم نطبق بدورنا, نحن أيضا, هذه الروحانية يوما بعد يوم.

إن التمييز يعني البحث عن الفروق ومن ثُمَّ الاختيار واتخاذ القرارات. واختياراتنا هي استجابتنا لما تقدمه الحياة لنا, وهي تعطي شكلا لحياتنا ويعكس هذا الشكل نوعية القرارات التي اتخذناها. وتتفاوت هذه الاختيارات في مدى جديتها, ومن البديهي أن يكون لبعضها ثقل أكبر من الأخرى. وأهم هذه الاختيارات هي التي تعني لنا الكثير لأنها تمثل فعلا اللحظات الحاسمة في حياتنا, تلك اللحظات التي تضفي على حياتنا شكلا جديدا وتوجهها اتجاها جديدا. ومن البديهي, أننا نحتاج إلى التمييز في مثل هذه اللحظات الحاسمة, لكن التمييز, كما يقول أوليفر-برج - أوليفييه,لا يقتصر على هذه اللحظات. فالتمييز المسيحي يعني أن نحياه بحيث يصبغ جميع قراراتنا واختياراتنا ويحكمها كوننا أولادا لله الأب واخوة ليسوع وفي شركة الروح القدس.

ولكي نقوم بتمييز حقيقي, يلزمنا علاقة حية يومية مع الله, فالتمييز ليس عملية آلية أو حسابية نطبق فيها سلسلة من القواعد بدون أساس, والأساس, أكرر, هو العلاقة الشخصية مع الله. صحيح أن التمييز المسيحي يتبع منهاجا محددا وخاصة عندما يتعلق الأمر بقرارات هامة ولكن هذا المنهاج لن يثمر إلا إذا استند على حياة منفتحة للروح العامل فينا. لا بد من استخدام العقل والقلب في عملية التمييز: "هبني قلبا فهما". هنا تأتي أهمية الصلاة وفيها أقدم للرب اختياري حتى يثبته إن كان موافقا لخدمته وتسبيحه الأعظم. إن غاية التمييز هو الاختيار وأخذ قرار حر. أنبه أن الاختيار الأول في التمييز المسيحي هو لله و أمام حضرة الله تأتي الاختيارات الأخرى.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com