لقد شعر أنطونيوس بخطر المجد الباطل نتيجة التفاف الناس حوله، فقرر الذهاب إلى أبعد حتى يمارس النسك كما يرغب. وفيما هو يفكر أين يذهب سمع صوتا من فوق قائلا:
"إذا أردت أن تعيش في سكينة, فاذهب إلى الصحراء الداخلية". فقام ورحل مع قافلة عربية " وبعد مسيرة ثلاثة أيام وليال وصل إلى جبل عال فيه مياه باردة وعذبة وفيه سهل يضم أشجارا مهملة من النخل"، فأحب أنطونيوس المكان لأنه المكان الذي قاده إليه الله.
عاش أنطونيوس بادئ الأمر وحده,من دون أن يكون أحد بجانبه, لكن بعد وقت عرف الاخوة المكان فبدأوا يقدمون إليه. شعر أنطونيوس أنهم يكلفون أنفسهم مشقة السفر للوصول إليه فبدأ يفلح الأرض ويزرعها (نتذكر هنا من جديد أهمية العمل اليدوي) حتى يتسنى له أن يقدم القليل من الطعام لزائريه حتى يتقووا من عناء الطريق.
في هذه المرحلة وصلت معركة أنطونيوس مع قوى الشر إلى جولتها الأخيرة : لقد قال أنطونيوس كلمته الأخيرة، إذ طرح الشيطان أرضا للمرة الأخيرة:
53 - بعد أيام قليلة و فيما هو يعمل (لأنه كان يحرص على العمل الجاد) وقف شخص في الباب و شد طرف الخوص, إذ إنه كان يصنع سلالا ويعطيها لزائريه بدل ما يحملون له. فنهض ورأى وحشا يشبه الإنسان حتى فخذيه, والحمار في ساقيه ورجليه. أما أنطونيوس فرسم إشارة الصليب وقال: أنا عبد المسيح فإن أرسلت ضدي فأنا موجود أمامك. هكذا هرب الوحش مع شياطينه بسرعة قصوى حتى إنه سقط ومات. إن موت الوحش كان هزيمة للشياطين, لأنها سعت سعيا حثيثا وبكل الوسائل كي تبعده عن الصحراء, فلم تقدر."
إن ما يميز هذه المرحلة الأخيرة هو نزول أنطونيوس إلى الإسكندرية ليدحض بدع الهراطقة. لقد رأى أثناسيوس حضور الرب على وجه كوكب البرية المشع نورا والذي كان ينعم بسلام الروح وكأنه" ليس من العالم، بل في العالم" ( يو 17/11 -19) فأراد أن يرسله إلى الإسكندرية ليدافع عن الإيمان القويم. نشير هنا إلى أن الهرطقة بحسب التقليد الكتابي هي من عمل الشرير:
" والروح يقول صريحا إن بعضهم يرتدون عن الإيمان في الأزمنة الأخيرة, ويتبعون أرواحاً مضلة ومذاهب شيطانية, وقد خدعهم رياء قوم كذابين كويت ضمائرهم" (1 طيم 4/ 1) عند نزوله إلى الإسكندرية، كانت لديه رغبة شديدة في الاستشهاد " كان يصلي لكي يستشهد, لكن الرب حفظه من اجل منفعتنا ومنفعة الآخرين" كان دور أنطونيوس كبيرا إذ قد ثبت المؤمنين وفي أيام قلائل ردّ كثيرا من الوثنيين إلى المسيحية. منذ ذلك الوقت، سُمي "رجل الله". |