عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E التراث العربي المسيحي

الكنسيات بين الشرق والغرب

الكنسيات بين الشرق والغرب

خبرة كنيسة الروم الملكيين الكاثوليك

المطران لطفي لحّام (البطريرك غريغوريوس الثالث حاليًا)

خاصة ببطريركيات الشرق:
أ‌- أوليّة إيمان الكنيسة الرومانيّة وأهميته.
ب‌- الاستقلاليّة القانونيّة والتشريعيّة للشرق.
ت‌- شعور الشرق بضرورة الشركة مع الكنيسة الرومانيّة.
على هذه الخصائص تبنى العلاقات السلميّة بين الشرق والغرب، وهي تشكّل أساس الموقف الشرقي من الأوليّة الرومانيّة.
استنادًا إلى هذه النقاط، أود أن أؤكد أن النقطة الأهم بالنسبة إلى الشرق هي الشركة. فأن تكون كنيسة ما في "شركة" أو "مقطوعة عن الشركة" أو "عائدة إلى الشركة"...، هذا مفتاح العلاقات بين الكنائس في خلال الألف الأول، خصوصًا في المفهوم الشرقي. فالشرق كان يهتم كثيرًا بالمحافظة على الشركة مع أكبر عدد من الكنائس، وخاصة الكنائس الكبرى وعلى رأسها كنيسة روما. لقد أولى الشرق مفهوم الشركة الأوليّة المطلقة، ومبدأ الشركة هذا هو الذي حمى استقلالية البطريركيات ووحدتها مع روما، وهو أساس وحدة الإيمان أيضًا.
هكذا نستطيع أن نفهم رسالة البابا لاون الأول إلى البطريرك مكسيموس الأنطاكي، حيث يطلب منه أن يحذر من أن ينتصر الهراطقة في الكنائس الشرقيّة، وخاصة تلك الخاضعة للعصا الرعائية التي يحملها البطريرك مكسيموس بحسب مجمع نيقية. من خلال هذه الرسالة نرى حقيقة الشركة بين البطريرك مكسيموس والبابا والكرسي الروماني في الإيمان القويم الواحد. يمكننا أن نحصي، تاريخيًّا، بحسب المؤرخ تاوتو، حوالي 300 حالة لجوء في الألف الأول تندرج في خانة ممارسة الأولية الرومانيّة بالنسبة إلى الشرق. من الواضح أن هذا الرقم ليس كبيرًا بالنسبة إلى الحقبة المذكورة أعلاه، خصوصًا إذا علمنا أنه يتقلّص بسبب الحالات التي تطلّبت أكثر من لجوء. إن دلّ هذا الإحصاء على شيء فهو يدلّ على الأوليّة الرومانيّة، ولكنه في الوقت نفسه يدلّ على مبدإ الاستقلاليّة الواسعة التي كان يتمتّع بها البطريرك في بطريركيّته بحيث إن اللجوء إلى روما وتدخل هذه الأخيرة كانا حالات نادرة، ومعروف أن "الشواذ يثبت القاعدة".
ساعد الدور السياسي في تعميق الهوة بين المفهومين الشرقي والغربي للكنسيات حتى أدى إلى انشقاق 1054. وبعد قرون عديدة أراد المسيحيّون أن يعيدوا الوحدة، وأن يخيطوا ثوب المسيح الواحد والموحد، فكان مجمع فلورنسا من أجل هذا الهدف، وكان حقًا مجمع إعادة الوحدة. وقد قدم الأستاذ أندريه دو هالّو مطالعة رائعة حول هذا المجمع. المشكلة الأساسيّة، التي لم يُعترف بها جهارًا في المجمع، هي الكنسيات المجمعيّة الشرقيّة التي تتعارض مع الكنسيات المركزيّة الرومانيّة. وكان منطلق المجمع: هل من الضروري عقد مجمع اتحاد أم لا؟ كيف يعقد هذا المجمع؟ الجلسات؟... وأدت تطلبات روما بهذا الخصوص إلى إسقاط المجمع. وهذا ما يشير إليه الأستاذ دو هالّو بشكل متواتر في المقال الذي أشرنا إليه. يقول في إحدى هذه الإشارات: "إنّ طلب (روما) الأول بتقبيل-القدم، وإلحاحها على إعطاء البابا مقامًا رئاسيًّا أعلى من مقامات اليونان، وإراداتها بإصدار صك الوحدة باسمها الخاص، ومشروعها بتصحيح ما سمّته بـ‘الأخطاء الليترجيّة‘ بطريقة سلطويّة وبدون أن تناقشها في المجمع، ونيّتها بتسمية خلف لاتيني لبطريرك القسطنطينيّة المتوفى يوسف الثالث، ورفضها رد الاعتبار للكراسي الأسقفيّة الشرقيّة التي أُخضعت للسيادة الرومانيّة، كل ذلك وغيره من التطلبات، التي لم تكن تقبل الرد، برهنت أن البابا إفجانيوس الرابع بعيد عن ترتيب العلاقات الرومانيّة مع الشرق بروح كنيسة تجعل من الكنائس أخوات في شركة.
ويشير الأستاذ دو هالّو إلى نقطة أخرى، يُظهر من خلالها أهميّة الموضوع الكنسي في مجمع فلورنسا، مستندًا إلى عبارة البابا إفجانيوس نفسه التي وجهها إلى اليونان: "حيث أكون أنا والإمبراطور والبطريرك يكون المجمع برمته: جميع المسيحيين والبطاركة والكرادلة"، مُظهرًا من خلال هذا المفهوم المجمعي قلة احترام الشركة بين الكنائس المحليّة، لأن البابا يريد أن يقوم البطاركة الشرقيون بدور حوله وحول القسطنطينيّة يشبه دور مصف الكرادلة حول البابا. وهذا ما رفضه دومًا الشرقيّون، ولا يزالون. وهذا ما ذكّر به البطريرك مكسيموس الرابع الصايغ عندما أراد البابا أن يمنحه شرف الكرديناليّة في العام 1965. ويتابع دو هالّو: "واضح كم كان للكنسيّات دور كبير، فكل ما قدمه البابا لمجمع فلورنسا لم يدلّ على أنه مقتنع بالمفهوم المجمعي الشرقي للكنسيّات. ومواقفه كافة، قبل المجمع وفي أثنائه وبعده تناقض النظريّة الشرقيّة... فالمساواة في التعاطي كانت مجرّد ديبلوماسيّة لا تعترف حقيقة بشركة الكنيسة الشرقيّة. والبرهان الأكبر على ذلك هو عدم المشاركة في الليترجيا في مجمع فلورنسا، هذه المشاركة كانت تحدث دائمًا في المجامع المسكونيّة القديمة... فالشروط الخارجيّة التي تبدو مستوفاة قانونيًّا لم تترافق إذًا بالاعتراف الكنسي المتبادل الذي بدونه يستحيل الرجوع إلى المفهوم المسكوني التقليدي الذي كان سائدًا في الألف الأول. لم تقبل أذهان آباء المجمع فكرة أن اجتماع البابا والبطاركة هو تمثيل حقيقي لجميع الكنائس المحليّة التي تشكّل سوية كأخوات مجمعيّة الكنيسة الجامعة". ويضيف الكاتب تحليلاً عميقًا لمفهوم الكنسيّات بحسب مجمع فلورنسا مستنتجًا أن المجمع الفاتيكاني الأول أراد، في نهاية الأمر، أن يفهم الأوليّة الرومانيّة في خط مجمع فلورنسا والقرون الأولى، خصوصًا بالنسبة إلى المقولة الشهيرة "Salvis Privilegiis" (حفظ الحقوق- أي حقوق البطاركة الشرقيين-).
يؤكّد الأب الأستاذ وليم دو فريس على أهميّة مفهوم البطريركية في الكنسيات الشرقيّة. فعدم فهم هذه الأهميّة، انطلاقًا من استقلاليّة الكنائس المحليّة (الأتوكيفاليا والأتونوميا)، يشرح لنا بطء التقدّم المسكوني. في هذا المجال يستشهد دو فريس بالمجمع الفاتيكاني الثاني: دستور الكنيسة "نور الأمم" (Lumen Gentium)، رقم 23، حيث نجد أهميّة النظام البطريركيّ بالنسبة للكنيسة بأسرها، وليس فقط بالنسبة للشرق. وبهذا المعنى يجب أن نفهم قرار المجمع الفاتيكاني الثاني في الكنائس الشرقيّة (Orientalium Ecclesiarium)، رقم 9، والقرار في الحركة المسكونيّة (Unitatis Redintegratio)، رقم 16و17، التي يعترف المجمع فيها "أن من حق الكنائس في الشرق أن تحكم نفسها طبقًا لأنظمتها الخاصة بها"، ويضيف: "إن التراث الروحي والليترجي والقانوني واللاهوتي في تعابيره المختلفة هذه هو حقًا بعض تراث الكنيسة الجامعة الرسوليّة الذي لا يتجزّأ". وهكذا فإن المجمع الفاتيكاني قد أدرك كل هذه الحقائق الكنسيّة الخاصة بالشرق المسيحي. ولكن المأساة تكمن في أن ما قرر في مجمع فلورنسا، وما كان سائدًا في الألف الأول، وما وُضع في المجمع الفاتيكاني الثاني بقي حبرًا على ورق، ولم تأخذه الكنيسة الرومانيّة على محمل الجد في التطبيق العملي. هذه هي المشكلة الكبرى التي يترتّب على الحركة المسكونيّة حلها اليوم لكي لا تبقى العبارات: بطريركيّة، كنيسة بطريركيّة، القانون الشرقي، التقليد الشرقي، الكنائس المحليّة، الكنائس الأخوات التي في شركة بعضها مع البعض الآخر... مجرّد كلمات شعريّة أو مبادئ نظريّة أو تعابير بروتوكوليّة أو أدبيّات مسكونيّة، بل تصبح كلمات حيّة في العلاقات بين الكنائس جميعًا التي منها كنيسة روما الأخت والكنائس الشرقيّة الكاثوليكيّة.
أختم هذا القسم باستشهادين، أحدهما لأندريه دو هالّو المذكور آنفًا:
"
يمكننا أن نفهم بسهولة التوجه الأرثوذكسي إلى الفكرة أن الأولية الرومانيّة هي أولية شرفيّة ليس إلاّ، بسبب المحاولات البابويّة إجبار الشرق المسيحي على تطبيق الشرع الروماني. والكنائس الشرقيّة المتحدة التي استطاعت روما أن تنتزعها من الأرثوذكسيّة، شاءت أم أبت، تحمل آثار جراح الجنوح الذي يغرّبها جزئيًّا عن أمهاتها الكنائس القديمة".
والآخر لهرفيه لوغران، يقول:
"
إن تطور الأولية البابويّة لم يعطِ مجالاً لإظهار العلاقة بين الوحدة والتنوع لا للكاثوليك ولا للأرثوذكس. كما أن الاستقلاليّة الأرثوذكسيّة الشرقيّة من جهة أخرى ليست هي أيضًا جوابًا كافيًا عن هذه الوحدة الكنسية نفسها. لذلك يمكننا أن نعتبر التعبيرين محاولة للجواب عن مسألة واحدة مشتركة، من غير أن ننكر أسس الأتوكيفاليا في تقليد الكنيسة أو نتجاهل الأسس الكتابية والتقليديّة للأوليّة الرومانيّة. وهكذا يمكننا أن نقيم حوارًا عقائديًّا على أساس المساواة حيث يشعر الطرفان أنهما متعاضدان في حل المشكلة المشتركة".

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com