عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

حكمة الله

حكمة الله

الميتروبوليت إيروثيوس فلاخوس

 

3.

تظهر الحقيقة الأولى في إعلانه بصوت عالٍ: "إِنْ عَطِشَ أَحَدٌ فَلْيُقْبِلْ إِلَيَّ وَيَشْرَبْ. مَنْ آمَنَ بِي، كَمَا قَالَ الْكِتَابُ، تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ». قَالَ هذَا عَنِ الرُّوحِ الَّذِي كَانَ الْمُؤْمِنُونَ بِهِ مُزْمِعِينَ أَنْ يَقْبَلُوهُ، لأَنَّ الرُّوحَ الْقُدُسَ لَمْ يَكُنْ قَدْ أُعْطِيَ بَعْدُ، لأَنَّ يَسُوعَ لَمْ يَكُنْ قَدْ مُجِّدَ بَعْدُ." (يوحنا 37:7-39). لقد سبق وشددنا على أن هذه الحقيقة مرتبطة بالعمل الرمزي الذي كان اليهود يقومون به خلال عيد المظال، حيث يسكبون المياه على مذبح التقدمات المحترقة. كان هذا العمل تعبيراً عن الشكر والامتنان من أبناء يهود ذاك الزمن لأن الله أروى عطشهم في الصحراء. فقد ضرب موسى صخرةً على جبل حوريب بعصاه، بحسب وصية الله، ما فجّر المياه وأشبع عطش الشعب الإسرائلي (خروج 1:17-7).

إن تفسير الرسول بولس لهذا الحدث خريستولوجي صرف. فهو يقول في الإشارة إلى الخلاص العجائبي لشعب إسرائيل، أنّ الإسرائيليين شربوا من الصخرة الروحية التي رافقتهم وهذه الصخرة كانت المسيح (1كورنثوس 4:10). إلى هذا، كما أشرنا تكراراً في هذه الدراسة، ظهر كلمة الله لموسى ولكل الأنبياء كغير متجسّد. إن الكلمة غير المتجسّد، الذي أروى عطش اليهود في الصحراء وبنعمته قاموا بهذا العمل الرمزي، قد جاء إلى الهيكل وأعلن أنّه الماء الذي يشبع عطش الإنسان الروحي. إن هذا المجيء والإعلان عملان ذوا دلالات كثيرة. ومع هذا قد اصطدم بردة فعل أبناء "المنقَذين".

تشير طروبارية عيد نصف الخمسين إلى هذا الحدث وإلى شخص المسيح بكلمات مفعمة بالحيوية حيث ننشد: "في انتصاف العيد اسقِ نفسي العطشى من مياه العبادة الحسنة أيها المخلّص. لأنّك هتفتَ نحو الكلّ قائلاً: مِن كان عطشاناً فليأتِ إليّ ويشرب، فيا ينبوع الحياة أيها المسيح المجد لك". وفي طروبارية مميزة جداً يظهر كاتبها على أنّه متوجع ومصاب بعطش مروع لا يحتمَل فيطلب الماء من المسيح الذي يمسك بوعاء العطايا: "يا مَن له كأس العطايا التي لا تفرَغ، امنحني أن أستقي ماءً لغفران الخطايا، لأني مضنوك عطشاً أيها المتحنن الشفوق وحدك" (إكسابستلاري العيد).

من ناحية ثانية، لا يعلن المسيح فقط أنه الماء واليننبوع الحي بل، في الوقت نفسه، يشدد على أن كلّ مَن يؤمن به "تَجْرِي مِنْ بَطْنِهِ أَنْهَارُ مَاءٍ حَيٍّ" (يوحنا 38:7). وكما يشرح الإنجيلي، هذا يتعلّق بعطية الروح القدس والإله الثالوثي بشكل عام، ومَن يتقبّلها يصير لاهوتياً إذ سوف يمارس اللاهوت بكلّ كيانه. يفهَم مفسّرو الكتاب المقدس كلمة "بطن" بأنها تعني قلب الإنسان. في العهد القديم، لا تعني هذه الكلمة المعدة، بل الإنسان الداخلي المحدد بالقلب. يقول داود "أَنْ أَفْعَلَ مَشِيئَتَكَ يَا إِلهِي سُرِرْتُ، وَشَرِيعَتُكَ فِي وَسَطِ أَحْشَائِي" (مزمور 8:40) أي في قلبي. على المنوال نفسه لا يتحدّث المسيح عن نهر، بل عن أنهار ماء حي، أي نعمة الروح القدس الغزيرة. وهكذا، كل نفس يدخلها الروح القدس ويتثبت فيها، تتدفق منها مياه غزيرة كما من ينبوع. الرسل الذين وُسموا بحكمة الله التي لا تقاوَم هم مثال على ذلك (القديس ثيوفيلكتوس). 

تظهر مساواة المسيح بالشرف مع الروح القدس في كلامه، فكونه تكلّم عن المساواة بالشرف مع الآب كان عليه أن يتكلّم عن الأمر نفسه مع الروح القدس. إن عطية الروح القدس التي يعطيها المسيح للناس لكي يخمد عطشهم هي بالحقيقة إرساله الروح القدس إلى العالم وظهوره الفعلي. ليس اللاهوت دراسات وأطروحات، ولا هو معرفة عقلية، بل هو المشاركة في عطايا الروح القدس.

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com