عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E اخبار مسيحية

18/7/2009
قدس الاب الياس شتوي القسم الثاني

وأمّا الخبز فهو المسيح- غذاء المؤمنين (يوحنا 6، 32...؛ متّى 26، 26...؛ مرقس 14، 22...؛ لوقا 22، 14...؛ 1 كورنثس 10، 16؛ 11، 23).
وتعبّر الليترجيّا الإلهيّة عن هذا الواقع، رمزيًّا، بكتاب الإنجيل (أي البشرى الحسنة أو الكلمة) الذي يتوسّط المائدة المقدّسة، في القسم الأوّل من القدّاس، ويكون محور صلواته واحتفالاته وبإبداله بالصينيّة والكأس، حاملي الجسد والدم، فيصبحان هما المحور في القسم الثاني منه.
وكأني بالكنيسة تحقّق رمزيًّا  سرّ الخلاص، موضوع الكتاب المقدّس في عهديه، وعدًا في القديم يُضحي واقعًا في الجديد: "الكلمة صار جسدًا وسكن في ما بيننا، وقد شاهدنا مجده..." (يوحنا 1، 14)، هذا السرّ الذي أنعم به الله علينا بدافع محبّته المجّانيّة لنا: "هكذا أحبّ الله العالم، حتّى إنّه بذل ابنه الوحيد لكي لا يهلك من يؤمن به، بل تكون له الحياة الأبديّة" (يوحنا 3، 16). والحياة هذه هي هبة الثالوث القدّوس العظمى للبشريّة... لذلك نهتف، في ختام القدّاس، بعد تمام هذا التحقيق فينا: "لقد نظرنا النور الحقيقيّ وأخذنا الروح السماويّ، ووجدنا الإيمان الحقّ. فنسجد للثالوث غير المنفصل لأنّه خلّصنا". وتأتي هذه الترنيمة كشهقة عميقة، بعد فرحة اللقاء ونشوة الاتحاد وانشراحة التمتّع بالحضور الإلهيّ الحقيقيّ.
لذلك نقول إن الليترجيّا الإلهيّة هي الذكرى المُظهرة anamnèse épiphanique التي تُعلن حدث الخلاص وتُظهره سريًّا وتؤوّنه ليصير حاضرًا نعيشه: "الآن قوّات السماوات تخدم معنا على حال غير منظور... فهوذا ملك المجد مقبل. هذه ذبيحة سريّة مكمّلة تمرّ في موكبها. فلنتقدّم بإيمان وشوق لنصير شركاء في الحياة الأبديّة" (نشيد الدورة الكبرى في رتبة الأقداس السابق تقديسها).

الإفخارستيّا ذوق سابق للملكوت
في القدّاس نعيش بنوع خاصّ، ونحن بعد على الأرض، ليترجيّا السماء، حيث ربوات الملائكة ترفع الحمد والتسبيح للثالوث القدّوس المتساوي في الجوهر هاتفة: "قدّوس، قدّوس، قدّوس ربّ الصبؤوت. السماء والأرض مملوءتان من مجدك" (أشعيا 65، 1-3). نشيد السماء هذا نسمع صداه يتردّد في قلب الكنيسة، وقد أضفنا إليه نشيد الأرض وهي تستقبل ملكها الآتي إلى أورشليم ليخلّصها: "هوشعنا في الأعالي. مبارك الآتي باسم الربّ. هوشعنا في الأعالي" (يوحنا 12، 13).
الليترجيّا الإلهيّة تحملنا إلى السماء، إذ تفتح أمامنا البعد الإسخاتولوجيّ (الأجلي أو المعاديّ)، وتجعلنا نتذوّق مسبقًا ليترجيّا السماء، المحتفل بها في أورشليم الجديدة والتي نتوق إليها كمسافرين (المجمع الفاتيكاني الثاني، دستور عقائدي في الليترجيّا المقدّسة،8).
وهي أيضًا تحمل السماء إلينا وتُدخلها في حياتنا اليوميّة. فالكنيسة، أي الجماعة الإفخارستيّة، هي موضع الولادة الجديدة بالروح القدس. الولادة التي منحنا إيّاها السيّد المسيح بسرّ موته وقيامته. إنها جماعة الإنجيل والإفخارستيّا. إنّها جسد المسيح ومكان العنصرة، حيث يحلّ الروح القدس ويحوّل الخبز والخمر إلى جسد المسيح ودمه، كما يحوّل المؤمنين إلى مسحاء آخرين، ويحوّل الخليقة كلّها إلى هيكل لله الحيّ، يتردد في حناياه نشيد الحمد والشكر والتمجيد، "إذ إن الخليقة كلّها تئن وتتمخّص بانتظار الفداء" (روم 8، 22).
وهكذا تصبح الأرض سماء، وتصبح الحياة، في النظرة المسيحيّة، ليترجيّا إلهيّة كونيّة شاملة.

الإفخارستيّا منطلق الحياة الجديدة
خلق الله الإنسان ليُشركه في حبّه المجّاني. وإذا كان الإنسان قد تعثّر في مسيرة الحبّ هذه، فإن الله بقي وفيًّا وأمينًا في عهده حتّى الصليب والموت، اللذين حوّلهما بقدرته إلى قيامة وحياة جديدة.
إن الإفخارستيّا احتفال بهذا السرّ. وإشراكنا فيها يعني قبولنا أن يجدّدنا الله ويغيّر حياتنا. فنعبُر، مع المسيح القائم، إلى الحياة الجديدة، شاكرين له تدبيره الخلاصيّ.
إنّ الروح، الذي يجمع المحتفلين، يجعل منهم كنيسة (جماعة) منفتحة على محبة الله ومحبّة الآخرين، ويُحوّلهم إلى شركة (Koinonia) تبدأ الآن، على الأرض، وتكتمل في الملكوت السماويّ. فالإفخارستيّا، إذن، هي رمز الانتماء إلى المسيح القائم، ورباط وحدة الجماعة التي ترغب في تغيير وجه العالم، وتلتزم تهيئة اليوم الذي تستقبل فيه البشريّة المسيح الممجّد في المجيء الثاني (البعد الإسخاتولوجي)، وتهتف، مع جميع المخلّصين: "طوبى للمدعوّين إلى وليمة عرس الحمل" (رؤيا 19، 9).

من مائدة الإفخارستيّا إلى مائدة الأخ الفقير
هذه الأبعاد الأساسيّة، التي نعيشها في الاحتفال الإفخارستيّ يحملها المسيحيّ في عمق حياته، فتنعكس على علاقته اليوميّة في بيئته: في البيت مع الأسرة، وفي الحيّ والمدرسة والجامعة والمهنة... مع أترابه وزملائه، ومع مرؤوسيه ورؤسائه... ومع كلّ من يلتقيه. فالمؤمن يخرج من الكنيسة مزوّدًا بالنعمة، فيكون "نهاره كاملاً ومقدّسًا، يرشده ملاك سلام، ليقضي حياته شاهدًا أمينًا ورسولاً غيورًا للإنجيل، ويحيا حياة مسيحيّة سلاميّة، تُعدّه للوقوف، بلا عيب، لدى منبر المسيح الرهيب" (طلبة السؤالات)، حيث يؤدّي الحساب عن الوزنات التي اؤتمن عليها (متى 25، 14-30).
فالإفخارستيّا لا تنتهي في الكنيسة عند انصراف المؤمنين. بل تبدأ إذ ذاك. فعندما يتّحد المؤمن بجسد المسيح ودمه، وينال روح الربّ، ينطلق مبشّرًا ومحرّرًا ومنيرًا (لوقا 4، 18-19). هذا ما أكّده الرسل في كتاباتهم: "إنّ الديانة الطاهرة الزكيّة في نظر الله هي افتقاد اليتامى والأرامل في ضيقهم" (يعقوب 1، 27)، وهذا ما علّمه آباء الكنيسة القدّيسون. يقول القدّيس يوحنا الذهبيّ الفم (ق 4) بهذا الصدد: "سرّ القربان هو سرّ الأخ. والدينونة ستكون على مدى ربطنا بين سرّ المسيح الحاضر في القربان المقدّس وسرّه الحاضر في إخوته البشر" (متى 25، 31-46) ويُضيف نرساي السرياني (ق 5): "القداسة من غير أخيك الإنسان ليست قداسة. إذ لا يمكنك أن تدخل الملكوت وحدك".
ونختم، أخيرًا، بالسؤال الذي طرحه الذهبيّ الفم: "ماذا ينفع تزيين مائدة المسيح بأواني ذهبيّة، إذا كان المسيح يموت جوعًا في أخيه الجائع؟ كيف تحترم المذبح الذي ينزل عليه جسدُ المسيح، وتبقى غير مبالٍ بالمسيح نفسه، المتجسّد في أخيك الإنسان الذي في الضيق، والذي يهلك جوعًا؟ إنّ هذا الهيكل لأكثر إجلالاً من ذلك".
في 17 من نيسان 1991                                الأرشمندريت فؤاد الصائغ
                                                                    
أمين سرّ اللّجنة

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com