عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

آراء ارثوذكسية في الكنيسة_ الشكر لقدس الاب الياس خوري

آراء أرثوذكسية في الكنيسة

مجموعة من المؤلفين { 2 }

الكنيسة

للأب سرج بولغاكوف

 

ووجود الكنيسة ذاته موضوع إيمان, فهي إنما تُعرف بالإيمان: (أؤمن بكنيسة واحدة جامعة مقدسة رسولية). والمرء يدرك الكنيسة بالإيمان لا ككيفية أو كاختبار وحسب, بل يدركها كمياً أيضاً, وذلك بصفتها وحدة الجميع, لكونها حياة واحدة وتامة و (كجماعية) (Sobornost) على مثال اتحاد الأقانيم الإلهية الثلاثة. الأمر الوحيد الذي يصل إليه نظرنا هو تجزؤ الجنس البشري تجزؤاً لا متناهياً. فنحن نرى كل فرد يعيش حياة أنانية منعزلة, وأن أبناء آدم الواحد, لا يرون وحدتهم, ولا يفطنون لها, رغم أنهم كائنات اجتماعية, رغم أنهم متعلقون بإخوتهم. لكن هذه الوحدة تتجلى في المحبة وبواسطة المحبة, وهي كائنة بفضل المساهمة في حياة الكنيسة الإلهية الواحدة. (لنحب بعضنا بعضاً لكي, بعزم متفق, نعترف مقرين...), هذا ما تنادي به الكنيسة أثناء خدمة القداس الإلهي. ووحدة الكنيسة هذه, تظهر لأعين المحبة لا كاتحاد خارجي – على شاكلة الاتحادات التي نصادفها في كل مجتمع إنساني – وإنما كمبدأ الحياة الأول السري.

الإنسانية هي واحدة بالمسيح, والناس عناقيد كرمة واحدة, وأعضاء في جسم واحد. وتتسع حياة كل إنسان بصورة لا متناهية, لتصبح حياة الآخرين: شركة القديسين. وكل إنسان في الكنيسة يحيا بحياة البشرية قاطبة وقد غدت كنيسة. كل إنسان هو الإنسانية: (Homo sum et nihil humani me alienum esse puto) (إنسان أنا وليس من شيء إنساني بغريب عني). غير أن الكنيسة الجامعة غير محصورة في الجنس البشري. فجمع الملائكة يكون كذلك جزءاً منها. ووجود عالم الملائكة نفسه لا يتوصل إليه الجنس البشري, فلا يمكن إثباته إلاَّ بالاختبار الروحي, ولا يستطاع إدراكه إلا بأعين الإيمان. واتحادنا في الكنيسة, بواسطة ابن الله يتعاظم, لمقدار ما أعاد به جميع الأشياء الأرضية إلى الأشياء السماوية, وما هدم جدار الفصل بين عالم الملائكة ودنيا البشر. إن الخليقة أجمع, الطبيعة كلها, تتصل بالجنس البشري وبرهط الملائكة. أنيطت بالملائكة يحرسونها, وأعطيت للإنسان حتى يسود عليها. هي تشارك الإنسان مصيره: (الخليقة تئن وتتنهد حتى الآن... كأنها تعمل... متوقعة التبني, فداء أجسادنا) (رو 22:8- 23) ومنتظرة تجليها كخليقة جديدة) تجلياً يحدث في نفس آن قيامتنا. إن الإنسان يصبح كائناً (كونياً). فحياته بالله توحده بحياة الخليقة كلها بواسطة روابط المحبة الكونية. تلك هي حدود الكنيسة. وهذه الكنيسة, التي لا توحد الأحياء وحسب بل تتعداهم إلى الأموات وطغمات الملائكة وكل الخليقة, هذه الكنيسة, غير منظورة ولكنها ليست مجهولة. وحياة الكنيسة سابقة لخلق العالم والإنسان, إنها تتناهى في الأزلية.

يمكن القول أن الكنيسة كانت, قبل بدء الأجيال, غاية الخليقة وأساسها, وهي, بهذا المعنى, (خُلقت قبل كل شيء, ومن أجلها صُنع العالم). إن الرب خلق الإنسان على صورته, الأمر الذي يجعل ممكناً دخول روح الكنيسة الإنسان وتجسد الإله: فلا يمكن أن يتخذ الله إلا طبيعة كائن مشاكل له, مالك صورته. إن في وحدة الجنس البشري التامة, توجد, كنواة, وحدة الكنيسة على صورة الثالوث القدوس. ولذا فمن العسير تحديد زمن لم توجد فيه الكنيسة في الإنسانية, بحالة فكرة سابقة, على الأقل: فبموجب اعتقاد الآباء وُجدت كنيسة أوليّة حتى في الفردوس, قبل الخطيئة, حينما كان الرب يتحدث إلى الإنسان وكان بحالة اتصال به. وبعد الخطيئة, وضع الرب أساس ما يسمى كنيسة العهد القديم, تلك الكنيسة التي تعلَّم فيها الإنسان أن يتحد بإله مشتركاً معه. وحتى في أقصى ظلمات الوثنية, حيث كانت النفس البشرية تبحث طبيعياً عن إلهها, وُجدت (كنيسة وثنية عاقراً) كما تسميها بعض التراتيل الكنسية. ولم تتوصل الكنيسة, طبعاً, إلى ملء كيانها إلاّ بعد التجسد, وبهذا المعنى نقول: إن الكنيسة أُسست, أسسها السيد يسوع المسيح وتحققت بالعنصرة. بهذه الأحداث يكون أساس الكنيسة قد وضع, ولكنها لا تبلغ بها ملئها. إنها لم تزل الكنيسة المجاهدة, وعليها أن تصبح الكنيسة الظافرة, حيث (يكون الله الكل في الكل).

فلا يستطاع, إذن, تعيين حدود الكنيسة لا في المكان ولا في الزمان ولا في قدرة العمل: إن أعماقها لا يمكن لها سبر. لكن هذا لا يجعل الكنيسة لا منظورة, بمعنى أنها لا توجد على الأرض بشكل يدركه الاختبار, أو بمعنى أن وجودها (مُتَعال) كلياً لأن هذا, عملياً, يعادل اللاوجود. كلا فبالرغم من أن كيان الكنيسة السري محجوب عنَّا, فإنها يمكن أن تُرى على الأرض, إن اختبارنا يمكن أن يكشف لنا عنها, إن لها حدوداً في المكان وفي الزمان. الحياة اللامنظورة للكنيسة, حياة الإيمان, مرتبطة, ارتباطاً لا ينحل, بأشكال الحياة الأرضية المادية. و (اللامنظور) موجود في المنظور, وهذا يتضّمنه, ويشكلان, معاً, رمزاً. إن كلمة (رمز) تدل على شيء يخص هذا العالم, ويرتبط به ارتباطاً وثيقاً, غير أن له مضموناً كان وجوده سابقاً كل الأجيال. إن في هذا وحدة المتعالي (Transcendant) والمتداني (Immanent), إنه جسر بين السماء والأرض, واتحاد الله والإنسان, والله والخليقة. وحياة الكنيسة رمزية من وجهة النظر هذه, إنها حياة خفية تحتجب تحت سمات مرئية. إن التضاد بين (الكنيسة اللامنظورة) وبين مجتمع بشري منظور, يشكل بغية الكنيسة الداخلية, لكنه غريب عنها, إن التضاد يهدم الرمز, بل يحذف الكنيسة نفسها, بصفتها اتحاد الحياة الإلهية وحياة الخلائق. إن تضاداً كهذا يجعل الكنيسة مجرد (متعالية) وينقلها إلى مضمار المثل (Nouménal), وبهذا ذاته تتدنى قيمة عالم الحدث (Phénoménal).

تحوي الكنيسة الأرضية فيها, الكنيسة كحياة, لكن هذه الكنيسة الأرضية, ككل حقيقة دنيوية, لها حدود في الزمان والمكان, إنها ليست مجتمعاً وحسب, إنها شيء أوسع بكثير من ذاك المجتمع, لكنها توجد تماماً كمجتمع له ميزاته الخاصة, وله قوانين وحدود. وللكنيسة تاريخ لنا وفينا, أثناء وجودنا الزمني. وككل ما يوجد في العالم, إنها تبقى في التاريخ. وهكذا يظهر وجود الكنيسة الأزلي الثابت الإلهي في حياة هذا القرن كمظهر تاريخي. إن لها إذن, بدءاً في التاريخ. أسس الكنيسة ربنا يسوع المسيح على صخرة اعتراف بطرس المعلن باسم جميع الرسل. وبعد القيامة أرسل التلاميذ يبشرون بالكنيسة التي وُجدت ككنيسة العهد الجديد عند حلول الروح القدس. فعندئذ دوى في فم بطرس النداء الرسولي الأول داعياً إلى الدخول في الكنيسة: (توبوا, وليعتمد كل واحد منكم على اسم يسوع المسيح... وستناولون موهبة الروح القدس) (أعمال 38:2). (وانضم في ذلك اليوم نحو ثلاثة آلاف شخص) (أعمال 41:2). وبهذا بدأت كنيسة العهد الجديد.

جسد المسيح الحي

للأب جورج فلورفسكي

الأب جورج فلورفسكي (1893- 1979) هو من كبار اللاهوتيين الأرثوذكسيين في القرن العشرين وقد نُشر مقاله عن الكنيسة في مجلة النور الأعداد 9, 10 و11 لسنة 1949 في ترجمة عربية أعدها س. خ, وهو يشكل القسم الثاني من دراسته الشهيرة حول الكنيسة التي صدرت في كتاب (الكنيسة المقدسة المسكونية), سنة 1949. وللأب فلورفسكي عدد من المؤلفات اللاهوتية الهامة التي حصلت منشورات النور على حق ترجمتها إلى اللغة العربية والتي سوف تصدر عنها في المستقبل.

لقد استعمل المسيحيون الأولون العبارة اليونانية ecclesia للدلالة على هذه الحقيقة الجديدة المجيدة التي كانوا يشعرون كل الشعور بأنهم ينتمون إليها. وهذه العبارة تُوحي وتفرض مفهوماً جد واضح لما كانت الكنيسة بالنسبة لهم, وكانت تدل على مظهرين رئيسيين تحت التأثير الجلي للاستعمال الذي قامت به الترجمة السبعينية لهذه العبارة. وهذان المظهران هما: استمرار العهدين العضوي والصفة الاجتماعية للوجود المسيحي.

فقد أُدرك هذا الوجود منذ البداية في المنظار المقدس للتهيئة الماسيانية وانجازها, وهكذا أُدخل لاهوت محدد واضح للتاريخ: (الله بعد ما كلّم آباءنا في الأنبياء قديماً بأنواع مختلفة وطرق كثيرة, كلمنا في هذه الأيام الأخيرة في ابنه الذي جعله وارثاً لكل شيء, الذي به أيضاً صنع العالمين) (عبر 1:1- 2). هذا هو الإعلان الأخير والإنجاز الماسياني ومجيء الوعد. إن أيام الانتظار انتهت وبزغ يوم الرب. إن الوجود المسيحي كان له منذ البداية معنى وصفة أخرويين (اسكاتولوجيين). ومع ذلك فإن العهد الجديد الذي دشنه يسوع المسيح المائت والقائم في المجد والذي ختمه الروح القدس في سر العنصرة العظيم, هذا العهد لم يكن سوى العهد السابق نفسه معاداً ومكملاً, موجزاً ومجدداً. إن الكنيسة المولودة تنطبق تمام الانطباق على إسرائيل الله الحقيقي. وقد كان المسيحيون الإسرائيليين الحقيقيين بالروح وورثة الوعود الماسياينة جمعاء, أو بالأحرى كانوا (البقية الأمينة) المفرزة عن الشعب القديم المتمرد الذي انتُخب قديماً وطُرح الآن لخيانته. إن التسمية (القطيع الصغير) التي أطلقها المسيح على الرعية الماسيانية التي جمعها حوله يظهر أنها تدل تماماً على هذه (البقية) من إسرائيل: (لو23:12), أي هؤلاء الذين عرفوا ماسيا وقبلوا بشارة الملكوت في قلوبهم. ومن المحتمل أن تكون هذه التسمية (الكنيسة) قد أطلقت أولاً على الطائفة الماسيانية اليهودية الأولى في أورشليم لأنها كانت تمثل تماماً هذه البقية. وبعد ذلك فقد وجب أن يدرج اليونانيون والأمم والبرابرة في هذه البقية بنداء من الله. وأخيراً أقيم العنصران المنفصلان أي اليهود والوثنيون في عنصر جديد بكليته, في عنصر روحي. وهذا كان أحد المواضيع الرئيسية في بشارة بولس الرسول (أنظر الرسالة إلى العبرانيين, ورسائله إلى أهل رومية وأهل غلاطية وأهل أفسس).

أما في العهد القديم فإن كلمة (اكليسيا) (الكنيسة) المترجمة عن العبرية (كهل) تتضمن تشديداً خاصاً على الوحدة العضوية للشعب المختار مدركة كأنها كل مقدس. وقد كانت الكنيسة شعباً, شعب الله, الشعب المقدس (جنس مختار وأمة مقدسة وشعب مقتنى) (بطرس 9:2). وكذلك وُجدت المسيحية منذ البداءة كطائفة أو كحقيقة مجسمة. إذاً فالوجود المسيحي كان يقوم بالمعنى الصحيح على الانتماء إلى هذه الطائفة ولم يكن باستطاعة أحد أن يكون مسيحياً بذاته ما دام فرداً منعزلاً ولكن مع (الأخوة) فقط, برباط متين معهم وبانتمائه إليهم. إن العقيدة الشخصية وكذلك السلوك الخاص في الحياة لا يجعلان من إنسان مسيحياً. وذلك لأن الوجود المسيحي يتضمن بل يفرض انضماماً واشتراكاً بالجماعة أي الجماعة الرسولية.

إن الجماعة المسيحية أو بالأحرى الماسيانية (يجب ألا يغرب عن الذهن أن كلمة (المسيح) ومعناه الممسوح لأن الله مسحه كاهناً ونبياً وملكاً تعني أيضاً (ماسيّا) أقامها المسيح نفسه (في أيام بشرته) وأعطاها على الأقل نظاماً وقتياً بانتخابه الاثني عشر وإقامتهم في الخدمة, هؤلاء الذين أعطاهم اسم (مرسلين) أو (سفراء), الذين سماهم أيضاً (رسلاً) (لو 13:6). لأن (إرسال) الاثني عشر لم يكن فقط تبشيرياً عابراً, وإنما كان رسالة جد علنية دعوا إليها عندما أخذوا (قوة) أو (سلطة) (مر 15:3, متى1:10, لو 1:9). وعلى أي حال فإن الاثني عشر بصفتهم شهوداً أقامهم الرب (لو48:24, أعمال 8:1) كانوا مكلفين وحدهم أن يثبتوا بنفس الوقت الكرازة والحياة المشتركة. ولهذا فإن الشركة (مع الرسل) (بما فيهم الاثني عشر أعمال 42:2) كان الطابع الأساسي (لكنيسة الله) الأولى في أورشليم. وبشارة يسوع أيضاً لم تكن موجهة إلى أفراد منفصلين ولكن إلى الشعب, إلى إسرائيل مختار الله, وهو نفسه جمع هذه الطائفة الماسيانية التي لم تكن الكنيسة المسيحية إلا تتمة لها.

إن الاثني عشر هم الرباط الذي يصل المراحل المتتابعة لحياة هذه الطائفة الجديدة والقديمة بوقت واحد, لأن إسرائيل هو الشعب المختار دائماً, هذا الشعب الذي أقامه ثانية ودعي لكمال جديد. ويمكننا أن نقول أن (الاثني عشر) يثبتون أيضاً هذا الاستمرار للعهدين, الوحدة الحية لإسرائيل مستمر. فإن إرادة الله وقوته أدخلت المؤمنين في صميم هذه لوحدة. ووحدتهم هذه تأتي من فوق وهي روحية محضة منحهم إياها الله بالرب يسوع لمسيح. وهم واحد بالمسيح وبالروح القدس فقط كونهم ولدوا فيه ولادة جديدة (متأصلين ومبنيين فيه) (كولو 7:2), و (اعتمدوا بروح واحد ليؤلفوا جسداً واحداً) (1كو13:12). وفي النهاية فإن الله هو الذي أسس الكنيسة.

... ورب سائل يقول وبالنتيجة على أي شيء تأسست وغرست هذه الوحدة, هذه الصلة بين كثيرين والتي يجب فوق ذلك أن تكون خالصة وعضوية كاتحاد أعضاء الجسد الواحد ؟ وما هي القوة التي تجمعهم وتصل البعض بالبعض الآخر ؟ هل هي غريزة اجتماعية أم دافع محبة متبادلة أم جاذب طبيعي آخر ؟ هل هذه الوحدة مؤسسة فقط على اتفاق في الرأي ووحدة في وجهة نظر أم معتقد أم اتفاق على مثل أعلى ؟ وباختصار هل الكنيسة أو الجماعة المسيحية هي فقط جماعة بشرية وشركة اختيارية يقوم بها الناس ؟

+ ادارة الموقع والجمعية تشكر قدس الاب الموقر الياس خوري لارساله هذه المادة لمنفعة المؤمن، فليباركه الرب بشفاعة والدة الاله.

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com