تقول رسالة البطاركة مستقرئة تجسد سر الكنيسة في واقعنا المحلي، فتشير إلى التعددية الثقافية والحضارية التي تميّزت بها بلادنا، كالسريانية بمختلف فروعها، واليونانية، والأرمنية، والقبطية، فتقول:
لا بد لنا من أن نلاحظ أن كنائسنا في الشرق أظهرت عبر التاريخ مقدرة فائقة على التكيف الحضاري، الذي أدى إلى نشوء حضارات وتراثات مختلفة ومتنوعة غذت التراث الكنسي العام والثقافة الإنسانية بغنى عطائها وأصالة مساهمتها. وهو التراث الذي أشار إليه المجمع الفاتيكاني الثاني، وأشاد بغناه، واعتبره ثروة للكنيسة بأسرها. ولا تزال هذه التراثات حية عبر مختلف الكنائس المشرقية تستضيء بها وتضيء، وتجد فيها حافزًا لمواجهة التحديات الثقافية والحضارية الحالية..
وفي الموضوع عينه، يقدّم البابا "الإجلال" لازدهار كنيسة بلادنا لما قامت به من تجسد وانثقاف متعددين ومتنوّعين، فيقول: كيف أستطيعُ أن أنسى المساهمة العظيمة التي أدَّتها سوريا والمنطقة المجاورة في تاريخ المسيحية؟ هنا عاشت جماعات مزدهرة منذ فجر المسيحية. (خطاب الاستقبال، 3).
منذ فجر المسيحية عرفت أرضكم حياة مسيحية مزدهرة. ففي المسار الروحي للقديسين اغناطيوس وأفرام وسمعان ويوحنا الدمشقي والعديد من الآباء والرهبان والنساك والقديسين، الذين هم حقاً مجد كنائسكم، يبقى هذا الازدهار حاضراً في ذاكرة الكنيسة الجامعة. (عظة القداس، 4)..
أود، هنا في دمشق، أن أقدِّم الإجلال للتقليد السوري بكامله مع وحدته الغنية بالتنوع. القديسون بولس واغناطيوس الأنطاكي وأفرام ويوحنا فم الذهب وسمعان العمودي ويوحنا الدمشقي وكثيرون آخرون هم معلمون لامعون نرى فيهم أن طاعة الإيمان وألم الصليب لا يمكنهما إلا أن تثمرا للخلاص.
إن روعة الإبداع في تقليدكم تتجلى في وجهٍ مثل أفرام النصيبيني "كنارة الروح القدس" الذي ما لبثت أن تُرجمت أعماله إلى كل اللغات المسيحية القديمة. عسى ألا ينقطع هذا النوع من تبادل المواهب.. رجائي الحار أن يعود المسيحيون، في كل مكان، فيفتحوا قلوبهم للثروات الروحية والعقائدية الخاصة بكنائس التقليد السوري.. بين العديدين ممَّن تبعوا الحَمَل (أي يسوع) قديسٌ من بلدكم لا يُجارى، هو سمعان العمودي الذي كان في زمانه أيقونة حية للقداسة، وهو اليوم موضوع تكريم الكنيسة في العالم أجمع.. (عظة كنيسة السريان الأرثوذكس، 5)..
|