عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

كلمة الراعي الاسبوعية المتروبوليت بولس يازجي الموقر

كلمة الراعي

الصوم على العثرات

"إذا كان الطعام يعثّر أخي فلا آكل لحماً إلى الأبد"

ما هي العثرة؟ ومن أين تأتي؟ وأخيراً كيف نتجنّبها؟ سنتأمّل اليوم بهذه الأسئلة الثلاثة، بناء على نداء بولس الرسول ألاّ نعثِّر أخانا بطعام أو بتناول اللحم مثلاً، فإنّه كما يقول الرسول: "إنّ الطعام لا يقرّبنا إلى الله. لأنّنا إن أكلنا (لحماً) لا نزيد وإن لم نأكل لا ننقص". ولكن إن تعثّر أخٌ قد ماتَ المسيح من أجله، فهذه خسارةٌ كبيرة!

العثرة هي ما يمكن أن يؤخّر أو يمنع مسيرةَ وتقدُّم الإنسان روحيّاً! ونقصد هنا بمسيرة الإنسان الروحيّة ليس شؤوناً كالصلاة والصوم فقط، هذه أوّلاً، ولكن كلَّ شيء، من الصحّة إلى العمل والدراسة والطعام... فكلّ شيء هو جزء ما من جملة بناء حياتنا الروحيّة؛ وليس لدينا حياة مع الله وحياة مع الناس منفصلتان، وحياة خاصّة مع الأشياء والخيرات. العالم والناس لهما عندنا علاقة واحدة، وهذه العلاقة نقدّمها لله ونقف بها بين يدينا أمام الله، فتحدّد هذه عندها علاقتنا بالله. علاقتنا بالله ليست حيّزاً من ضمن علاقاتنا، بل هي النور الذي يُسلَّطُ على علاقاتنا فيجعلها نيّرة بحسب الإنجيل. علاقتنا بالله هي الموجِّهة والقائدة والمحاسِبة لكل علاقتنا بالقريب والكون. فأيّ شيء يعثّر تقدّم الإنسان في جملة العلاقات هذه دون استثناء هو "عثرة"! لقد كان يسوع قاسياً جدّاً في الحكم على المعثِّرين.كلُّ إنسان هو موضوع عناية فائقة من الله، أبيه الوحيد. لا والد ولا والدة ولا صديق يعتني بإنسان كما يعتني به "الراعي الصالح" الأوحد. لذلك إن أي تعثير لحياة إنسان ما هو إلاّ تحدٍّ لعمل الله الظاهر وغير الظاهر، وتعطيل لوصيّة الربّ "كونوا كاملين". "ومَن أعثَرَ أحد هؤلاء الصغار المؤمنين بي، فخير له أن يُعلَّق في عنقه حجرُ الرحى (ثقيل) ويُغرق في لجّة البحر" (متى 18، 6). "لا بدّ أن تأتي العثرات في العالم، لكن ويلٌ لذلك الإنسان الذي تأتي به العثرة"!

ومن أين تأتي العثرات؟ هناك ثلاثة أسباب للعثرات، أوّلهُا خطيئتُنا، وثانيها ضعفُ الآخر، وثالثها إباحيّةُ المعرفة.خطيئتنا تطعن بالصميم شهادتنا للمسيح في العالم. "الويل لكم" صرخ يسوع ببعض الفريسيّي الإيمان أيامه، "لأنّه بسببكم تأتي العثرات في العالم". فبدل أن نكون رسلاً نصير معثرة، أحياناً عديدة! ما بالنا بطفل يشاهد يوميّاً نِـزاعات والدَيه في البيت، كيف سيحبّ غداً الزواج والعائلة؟ ما بالنا بشابّ كان يريد أن يرى في الكنيسة مثالَه الأعلى لكنّه يصطدم بمعاملة غير محبّة من كاهن أو مرشد أو مسؤول؟ وهكذا دواليك في المدرسة أكثر وفي العمل أكثر...

وقد يكون ضعفُ الأخ سبباً للعثرة حين لا يكون، مرّات عديدة، تصرُّفُنا خطيئةً من حيث المبدأ! على أنّ هذا التصرّفَ الحرّ يصير خطيئة لأنّه بالنهاية أخطأ للأخ الضعيف. وهذه الناحية بالأخصّ هي ما تعالجه رسالة بولس الرسول اليوم إلى أهل كورنثوس. كان المسيحيّون في كورنثوس منقسمين حول إمكانيّة تناول لحوم مشتراة من الأسواق ومصدرها ما تبقى من الأضاحي التي كانت تقدَّم للأوثان. فاعتبر البعض شراءَها وتناولها ليس خطيئة، لأنّ ذلك لا يعني قبول العبادة للأوثان أو مشاركة بها. واعتبر البعضُ الآخر هذه اللحوم نجسةً ما دامت تأتي من ممارسات نجسة! فصرخ بولس بهؤلاء الأحرار من الاعتبارات الأخيرة، أن يراعوا بجديّة عثرةَ الإخوة من تناول مثل هذه اللحوم. نعم يمكننا التفكير أنّ تناول هذه اللحوم ليس خطيئةً، ولكن لا يمكننا تناولها ما دامتْ تشكّكُ ولو أخاً واحداً بعدُ!إنّ الحريّة المسيحيّة لا تكون أصيلةً إلا إذا كانت مفعمة بالمحبّة وبنّاءة، "فإنّكم إذ دعيتم للحريّة أيّها الإخوة، غير أنّه لا تصيِّروا الحريّة  فرصة لحياة جسدانيّة وإنّما للمحبّة وتخدموا بعضكم بعضاً" (غل 5، 13). فالأخ يساند الأخ، "لأن ليس أحدٌ منّا يعيش لذاته ولا أحدٌ يموت لذاته" (رو 14، 7).المحبّة المسيحيّة محبّة مسؤولة، كما المسؤوليّة المسيحيّة مُحِبَّة. لا يمكن للمسيحيّ أن يجيب متعلّلاً "أنا لم أفعل شيئاً خاطئاً! وسبب العثرة هو ضعف الأخ"! نحن مسؤولون عن ضعف الأخ أيضاً. أليست هذه هي طريقة التربية الحقيقيّة، والتي يتّبعها اللهُ معنا أيضاً! يكلّمنا بولس عن أنواع مختلفة من الطعام، اللبن أو اللحم، تقدّم بالتدرّج حسب العمر الروحيّ. الأهل الذين يمارسون بعض العادات "البريئة" أمام أولادهم الصغار وتكون هذه معثِّرةً، لا تعود تلك الممارسات بريئة بل خاطئة، لأنّها مسيئة. قد تكون رؤية التلفزيون لساعات مساءً في البيت أداة ترفيه للأهل بعد نهار عمل طويل، ولكن تعليم الطفل، بالمثَلَ، قضاء الساعات مساءً هكذا بدل الدراسة هو إساءة! والأسوأ، أن يتابع الأهل متابعة البرامج المتعدّدة المفيدة وغيرها وبالوقت ذاته ينتهرون أطفالهم ويطالبونهم بالانصراف إلى الدراسة. إذا لم يصلِّ الأهل في البيت بسبب أتعابهم، فهذا سوء نعم، لكن الأسوأ أن يعتاد الأولاد على برنامج كهذا! "أنا حرّ" كلمة غير منطقيّة إلاّ لمن يقبل أن يقول أنا "غير مسؤول"، إذن عندها علينا أن نتنحّى عن أيّ دور تربويّ وروحيّ معطى لنا. دون مسؤوليّة لا نستحقّ أن نكون لا أهلاً ولا مرشدين ولا كهنة... ولا يوجد إنسان إلاّ وينتظر منه اللهُ دوراً تربويّاً (مسؤولاً) قد أسنده إليه.المعرفة الإباحيّة هي داءٌ متفشٍّ بالأخصّ في مجتمعاتنا المسيحيّة. إذ يفخر المسيحيّون بحريّتهم وجرأتهم في التربية. فيردّد الأهالي دوماً "أريد أن يعرف ابني كلَّ شيء"، ولا يريد الأهل أن يحجبوا عن أولادهم أيّة معرفةٍ، لهذه الغاية: أن يحصلوا على كلّ المعرفة. هذه غاية فعلاً منشودة، وتشجّع الكنيسةُ عليها. نعم علينا أن نعرف كلّ شيء، المعرفة غواية. لكن هذه الغواية إمّا تصير دافعاً مقدّساً أو قد تنقلب إلى عثرة! والفارق في ذلك هو فقط غياب أو حضور الحكمة في تلقين المعرفة. لا تُقدَّم المعرفة بشكل إباحيّ، أي دون مراعاة التدرّج الروحيّ لمن يتلقّنها. فهناك أسس مسيحيّة نريدها في تربيتنا، وأهمّها حسن البناء الروحيّ. فلا نضع حجرَ معرفةٍ على الحجر الذي يسبقه، إلاّ إذا كان هذا الأخير قد ثبت بطين الإيمان في جسم البناء كلّه، وإلاّ سنضع حجراً عليه وينهار بعدها الحجران.هل علينا أن نطالع كتاباً يشكّك بالإيمان أو يُهين ربّنا يسوع المسيح؟ نقول نعم وبالتأكيد، ولكن متى! لا شكّ إنّ قراءة كهذه يجب أن يسبقها معرفة كافية للإنجيل وللإيمان المسيحيّ، حينها تصير هذه المطالعة "مقارنة" وتزيد من إيماننا وتوسع معرفتنا حوله، وإلاّ عكس ذلك تصير "عثرة" لأنّه نقصها الحكمة. "فلننشئ" أولادنا بمعرفة روحيّة إيمانيّة علميّة صحيحة، وبعدها غواية المعرفة ستصير دافعاً جيّداً غير مضرّ. لكن وللأسف، كثيراً ما تقدّم تربيتنا للطفل والشابّ كمّاً هائلاً من المعارف ومقداراً زهيداً من الإيمان بالمقابل. يبلغ شابُّنا العمر الجامعيّ وتراه ما زال روحيّاً بمعرفة طفوليّة! فكيف يستطيع الإطلاع إباحيّاً على كلّ أنواع المعرفة.ليست المعارف معلومات عمياء، إنّها عناصر حيّة تفعل في حياة من يتناولها، لذلك تتطلّب معرفة المستوى الروحيّ لمن يتلقّنها. لكلّ عمر معارفه!وأخيراً! كيف نتجنّب العثرات؟ الجواب بسيط، بالصوم! نعم ليس الصومُ حرماناً من بعض الأطعمة كاللحم والجبن، وإن كان يبدأ من هناك. هذه الانقطاعات بحريّتنا تنقلنا من فلسفة تناول كلّ ما هو "متاح" إلى حكمة استخدام الأمور كما "يوافق". الصوم يعلّمنا إذن الخيار، لذلك الصوم يحرّرنا.إذا كان اللحم (كلّ أمر غير نجس) يعثّر أخي، "فإنّي لا آكل اللحم إلى الأبد"، آمين.

المطران بولس يازجي

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com