عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

كلمة الراعي الاسبوعية _ المطران بولس يازجي الموقر

                                     كلمة الراعي

                                    جناحـا الفضائـل

"                                  المحبّة والتواضُـع"

تريودي يمضي وتريودي يأتي، ونحن ماضون في مسيرتنا من أجل خلع الإنسان القديم وارتداء الإنسان الجديد. التريودي هي الفترة الطقسيّة من الصلوات والأصوام التي رتّبتها الكنيسة قبل الفصح. وفيها يُركِّز المسيحيّ انتباهه، ويضع كلّ قدراته من أجل المعركة التي سيخوضها في حلبة هذه المواسم المقدّسة ضد الإنسان العتيق، ليبني ذاته إلى ملء قامة المسيح. تمتاز هذه الفترة بفرادة صلواتها، وتكثيف الأصوام والعبادات، وانصراف المسيحيّ فيها أكثر إلى ممارسة الفضائل المسيحيّة، التي أهمّها الصلاة والصوم.

لذلك رتَّبت الكنيسة المقدّسة، في بداية هذه الفترة، أن نقرأ مثل الفريسيّ والعشّار، الذي يكلّمنا فيه الربّ يسوع عن العبادة الحقيقيّة وعن الفضائل المزيَّفة؛ عن الأصوام والتعشير؛ وعن سائر الفضائل التي تقابلها في زماننا وطقوسنا؛ وعن تجنُّب الخطر من قلْبِها إلى مُراءاة؛ وتحريف "العبادة" بتحويلِها إلى "عادة". إنَّ أتعاب الفضائل خسارة كبيرة حين لا تقود إلى غايتها.

على العتبة الأولى للصوم الكبير، تضع لنا الكنيسة المقدّسة مثل الفريسيّ والعشّار لكي نتأمّل فيه، وندرك منه العبادة الحقَّة، وندخل الصوم كميدان لممارسة الفضائل، ونعبُر منه إلى رؤية وجه يسوع القائم.

المحبّة والتواضع، بحسب تعبير القدّيس يوحنا السلميّ، هما أساسا كلّ الفضائل. لن يقوم أيّ صوم أو خدمة، أو إحسان، أو أيّة فضيلة إلاّ على هذين الأساسَين. لا بل على العكس، إنّ ممارسة الفضائل تنفسد بدون المحبّة والتواضع. ولعلَّ هذا هو الأمر الذي نقص في ممارسة الفريسيّ للفضائل، رغم أنّه كان يمارس من الفضائل أكثر ممّا كان الناموس يطالب به آنذاك، الأمر الذي جعل كلّ أتعابه لا تبرِّره في عينَي الربّ.مثل الفريسيّ والعشّار يدور حول العبادة، الصوم والصلاة، وحول البرّ والخطيئة. بكلمة أخرى إنّه يحدثنا عن التقوى. ما يبتغيه الربّ يسوع من عرض الإنسانَين اللذين صعدا إلى الهيكل ومن إظهار التناقض بينهما، لا بل من التأكيد على النتيجة غير المنتظرة وتناقض الظاهر مع الحقيقيّ، هو التالي: ليست كلّ تقوى مقبولة، فهناك تقوى ظاهريّة وهناك من جهة أخرى التقوى الحقيقيّة. الفريسيّ الذي كان يبدو مبرَّراً خرج مُداناً. والعشّار الذي يُعتَبر خاطئاً، ظهر، على العكس، مبرّراً. لقد اختلفت مقاييس الظاهر عن معايير الله العميقة والدقيقة."المحبّة تبني والتواضع يحفظ". هذا هو الزَوْجُ الجليل لمملكة الفضائل، هذا هو معيار صدق فضائلنا وصفائها. كيف يمكننا أن نفسِّر محبّة الفريسيّ حين تجتمع الإدانة بالإحسان؟ وفي الوقت ذاته كيف يحتقر الفريسيّ "هذا العشّار" ويصوم مرّتين في الأسبوع؟ إنَّ فضائل الفريسيّ كانت لإرضاء غروره، وصلاته كانت بخوراً لصنمه. لم يعبُر الفريسيّ من الفضائل إلى المسيح، بل عاد بها كلّها إلى ذاته. الفريسيّ حين يحقّق الفضائل يفتخر ويشعر بالتبرير، وحين يفرض عليه دِينُه أثقالاً لا يقدر عليها يُرائي. هذا وقف في المعبد يتكلّم مع ذاته: "فقال في نفسه".وفقاً لمعيار المحبّة نكتشف حقيقة فضائلنا. عندما نصلي، مثلاً، هل نخرج من الصلاة "وقلوبنا ملتهبة فينا حين كان (الربّ) يخاطبنا" كتلميذَي عمواس؟ أم أنّنا نشعر وكأنّنا انتهينا من أداء واجب؟ وحين نصوم، هل نصير أكثر شفقةً وشعوراً بالآخر والمحتاج؟ أم أنّنا ننهي واجب الصوم لنعوِّض بعدها في الأعياد؟ هل تَسْحَق الفضائلُ الجدارَ الفاصل بيننا وبين حضرة الربّ في حياتنا، أم أنّنا حين نتمّم بعضها نشتري بها كتاب طلاق إلى حين، وإلى أن تحين مواسم تكفير أخرى؟ الفضائل بجملتها هي وسائل ووسائط نستخدمها لكي تبني فينا الإنسانَ الجديد مكان الإنسان العتيق. والإنسانُ الجديد هو بالتحدّيد الذي يعشق المسيح بدل كلّ عشقٍ آخر. فترة الصوم، وكلّ زمن التريودي مبارك هي فرصة نتروّض فيها على معرفة الربّ أكثر، أي على حبّ أعمق له. الفضائل المسيحيّة بحدّ ذاتها لا قيمة لها، فهي أداة، أمَّا الغاية فهي محبّة الربّ. لنسأل أنفسنا بعد كلّ صلاة: هل أحببناه أكثر؟ بعد الصوم كذلك، بعد الإحسان، بعد المسامحة، إنَّ السؤال عن مقدار ازدياد الحبّ للربّ هو المعيار الأول الذي يفحص صدقَ كلّ فضيلة فينا.أمَّا المعيار الثاني فهو التواضع. إنَّ التواضعَ وليد الحبّ الحقيقيّ. فمن يريد أن يحبّ بمقدارٍ، لا يحبّ، لأنَّ الحبّ لا يعرف الحدود. والحبّ الذي لا يزداد هو كاذب. من منّا يحمل ما حمله بولس الرسول من فضائل؟ وهو القائل في نهاية المطاف: "أنا أخطأ الناس"! إنَّ الإنسحاق هو نهاية درب الحبّ الحقيقيّ في علاقتنا مع الربّ! ماذا سأكتشف عندما ينكشف لي الربّ سوى شعور الانسحاق؟ الاستحقاق في المسيحيّة هو الإنسحاق وليس البرّ. من هو المستحق للكأس المقدّسة؟ لا أحد سوى المُنسَحِق! نحن بالنعمة مُبَرَّرون. الأمّ، على سبيل المثال، كلّما أحبَّت ابنها حقّاً كلّما شعرت بأنَّها مقصِّرة نحوه. مَنْ يحبّ بكفاية فهو مغشوش. من يحبّ ليتعالى كاذب أو مخطئ في حُبِّه هذا. قَدَرُ المحبّة هو التواضع. والمحبّة التي لا يحيطها التواضع هي رياء وفريسية.التواضع ليس تنكُّراً لِما فينا من مواهب، أو لِما تمَّ بنا من إنجازات أو فضائل، بل على العكس إنّه تقدير لكلّ ذلك واعتراف بأنَّه عمل النعمة الإلهيّة فينا. "ليس لنا، ليس لنا يا ربّ، بل لك هو المجد". من له التواضع يُعطى ويُزاد، ومن ليس له هذا التواضع فإنَّ ما عنده من فضائل يُنْتَزعُ منه. لقد أساء صوم الفريسيّ إليه بالرغم من أتعابه، وذلك حين قاده إلى التعالي. الفضائل دون تواضع تعني خُلوّها من المحبّة، أي انقلابها إلى أتعاب وإلى أعمال رياء.

ما فائدة الصوم الكبير إن لم تزدَدْ المحبّة نحو الله والقريب؟ ما الفائدة من الصلوات إن لم تتتوّج بالخشوع؟ ما هي خلاصة الصوم إن لم نصل إلى العشرة مع الله والاقتراب منه، من وجهه القدّوس؟ ما أتعس الجهاد حين لا يقودنا إلى غايته. هذه المسيرة لا تؤول إلى نهايتها دون تواضع. لذلك يختم الربّ يسوع المثل بتلك العبارة المقدّسة: مَنْ ارتفع (من الأصوام والفضائل) اتّضع، ومن اتَّضعَ (من المحبّة) ارتفع. آميــن

المطران بولس يازجي

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com