عن الكنيسة

كاهن الكنيسة

جمعية الكنيسة

مواقع

C??????E

25/6/2009
الايمان والحياة_ قدس الاب د. بيتر مدروس

"الإيمان  والحياة" أعلمانية أم دهرية ؟

( بقلم  الاب د. بيتر مدروس)

            من المصطلح عليه أن "العلمانية" تفصل بين الدين والدولة. ولكن واقع بلاد كثيرة في الغرب لا يقتصر فقط على هذا الفصل بل يتعدّى الامر ذلك التمييز الى اهانة السيد المسيح والسيدة العذراء والرموز المسيحية  والاكليروس ولا سيما البابوية (باختراع شائعات وترويج عروض أي أفلام تطعن بالسيد المسيح   والعذراء القديسة والرسل الاطهار وقديسين آخرين وخصوصا  مريم) المجدلية). وتصل تلك "العلمانية الهجومية" الى معاداة عنيفة للكنيسة (في أقطار مثل المكسيك التي تمنع الكنيسة أن تملك شيئا ولا تقبل الزي الكهنوتي أو الرهباني ، أو فرنسا في أوائل القرن العشرين التي صادرت أو أغلقت كل المدارس التي كان الرهبان يديرونها ، أو بعض عناصر في الولايات المتحدة التي تسعى الى مع الصلاة الصباحية في المدارس الحكومية. وفي كل تلك البلاد ضغوط على المسيحية وبالذات على مدارسها وجامعاتها). ومع الاسف ، تتجاوز تلك "العلمانية" الخطوط الحمراء بمخالفات صريحة مقصودة للوصايا العشر ولاخلاقيات الانجيل الطاهر (باباحة الاجهاض وبتقديم التسهيلات للمعيشة المشتركة بين شاذين وشاذات وعرقلة الزواج المقدس وحرمانه من  الفوائد الاجتماعية والمالية التي تقدّم لغيره  بلا حساب!)

 

الفرق بين "العلمانية" وال"دهرية"

يميّز قداسة البابا  بندكتوس السادس عشر – وهو عبقري ألمعي نبغ في الفلسفة واللاهوت – بين "العلمانية"  Laicity  وال"دهرية" Laicism.  فال""لايشتيناس"  أي "العلمانية الصحيحة" تولي رجال السياسة والمجتمع والعلم  استقلالهم  الاداري والمنهجي ، بحيث لا يسيطر عليهم رجال  الدين  بشكل  يمنع البحث العلمي أو يتطاول على سيادة القانون أو يشوّه أو يحرّف نتائج العلم. فالمسيحية ترفض أن يحكم رجال الدين المسيحيون بلادهم وأن يحملوا السلاح وأن ينتموا الى أي حزب ، لان مهمتهم أي رسالتهم روحانية أخلاقية اجتماعية انسانية  موجّهة الى كل الناس من كل الشعوب والاحزاب والاتجاهات الفكرية. وكان السيد المسيح قد  رفض بشدة ووضوح "الثيوقراطية" التلمودية الربابنية التي توهمت ان "الماشياح" المنتظر سيكون ملكا دنيويا سياسيا عسكريا اقتصاديا  دنيويا يرفع شأن شعب على الشعوب الاخرى المنظور اليها كبشر من الدرجة الثانية. توارى يسوع بعد معجزة تكثير الخبز والسمك عندما عزم الجمهور – وعلى رأسهم بعض الرسل- أن "يخطفوه ويجعلوه ملكا". وأوصى أن "يؤدّى ما لقيصر لقيصر ، وما لله لله" (عن متّى 22 : 21) . وأعلن للوالي الروماني بونطيوس بيلاطوس :"ان مملكته ليست من هذا العالم" (يوحنا 18 : 36).

وتعلّمت الكنيسة عبر التاريخ ان ممارسة  بعض  رجال الدين  حينا  لنهج "القيصربابوية"   Cesaropapism  أي حكم سياسي عسكري ، كان عبئا عليها أساء اليها. وتخلّصت الكنيسة ، مكرهة أم راضية، من "السلطة الزمنية" وتحررت أكثر وبشكل مطلق ل"خدمة المحبة" التي وصف  بها كنيسة روما  "المترئسة بين الاخوة"  القديس ايريناوس (تلميذ القديس بوليكاربوس الذي كان أي بوليكاربوس تلميذا ليوحنا الحبيب). أمّا القديس صفرونيوس البطريرك المقدسي دمشقي المولد فقد اشار الى كنيسة روما بأنها "بمثابة منارة جميع الكنائس تحت الشمس" وانها "كرسي العقائد القويمة الرسولي".

ولكن لا يخفى على أحد  ان "العلمانية" المشروعة تدهورت  الى دهرية ملحة مستهترة بالدين والاخلاق، عبّرت وما تزال تعبّر عن نفسها ، من غير قيود  في الغرب، باهانات مستمرة للمسيحية وأقدس رموزها ومخالفات صارخة للوصايا العشر وللاخلاقيات الانجيلية  ومعاداة للكنيسة واضطهادات وضغوط عليها. هنا ، انتقلت بعض اقطار الغرب من "العلمانية المشروعة" ليس فقط الى "اللااكليريكية" أي معاداة الاكليروس بل  الى دهرية معادية للدين (ولا سيما المسيحي) والاخلاق القويمة . ومن واجب الكنيسة والمؤمنين ومن حقّهم الدفاع عن ايمانهم ورموزه وعن الاخلاقيات. وتفوّض الكنيسة العلمانيين (وخصوصا منذ المجمع المسكوني الثاني) أن يدخلوا هم – لا الاساقفة ولا الكهنة ولا الرهبان ولا الراهبات- حلبة السياسة والاحزاب والاقتصاد والجيش لحمل لواء الحق  والذود عن الاخلاق والدين وعن الوطن ، بما ان السيد المسيح نفسه اعترف بالوطن وبكى وطنه ولا سيما المدينة المقدسة وأعلن بحزن ان "لا كرامة لنبي في وطنه". فللمؤمن المسيحي وطن غال عليه على  الارض وهو  بمثابة خيمة يعبر منها – بعد عمر طويل أو قصير – الى "وطن أفضل" كما نقرأ في رسالة القديس بولس الثانية الى أهل قورنثوس (5 : 1 وتابع) وفي الرسالة الى العبرانيين (11: 16). وقوله "وطن أفضل" يعني ان الوطن الذي ننتمي ونعيش فيه أو بعيدا عنه ، والاقرب الى الصواب انه " يعيش فينا " (كما يكتب قداسة البطريرك شنودة الثالث) هو جيّد ، ولكن الوطن السماوي أفضل وأبقى.

 

خاتمة

تأرجحت البشرية بين  " ثيوقراطية "  أي سيطرة  مفرطة للدين وقوانينه على الشعوب وبين دهرية اباحية ملحدة لا يجوز وصفها ب"العلمانية". وهذه المخاطر تأتي من الطبيعة البشرية "الامارة بالسوء" التي يصعب عليها الاتزان والعدل و"اعطاء كل ذي حق حقه" و"اعطاء الخبز للخباز" بحيث تكثر التجاوزات والتطاولات  في كل زمان ومكان. ومن الاوهام  أن يتصور المرء "مُلكا  عالميا عمليا مطلقا للسيد المسيح" بحيث يتحول كل الناس ولا سيما المسيحيين فجأة الى ملائكة  وقديسين لا غبار عليهم ولا شائبة فيهم ، "يمشون على العجين ولا يلخبطونه" وبحيث تخضع كل الشعوب لحكم الله ، من غير التواء ولا اعتراض! فالكنيسة مقدسة أعضاؤها  خطأة مطلوب منهم باستمرار أن يتوبوا عن الشر ويوجهوا قلوبهم وأفكارهم الى الخير وأن يغفروا لاخوتهم كما يرجون أن يغفر لهم الاب السماوي ، وأن يبتغوا وجه الله ويحبوا الاله البعيد في الانسان القريب !

 

 

 Copyright © 2009-2024 Almohales.org All rights reserved..

Developed & Designed by Sigma-Space.com | Hosting by Sigma-Hosting.com